[[سورة الأنعام (٦) : آية ٣٥]]
وَإِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ (٣٥)
قوله تعالى: وَإِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ.
(٥١٠) سبب نزولها: أنّ الحارث بن عامر أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من قريش فقال: يا محمد، ائتنا بآية كما كانت الأنبياء تأتي قومها بالآيات، فإن فعلت آمنا بك، فنزلت هذه الآية، رواه أبو صالح عن ابن عباس.
و «كبر» : بمعنى «عظم» . وفي إعراضهم قولان: أحدهما: عن استماع القرآن. والثاني: عن اتباع النبيّ صلى الله عليه وسلم. فأما «النفق» ، فقال ابن قتيبة: النفق في الأرض: المدخل، وهو السَّرب. والسُّلَّم في السماء: المصعد. وقال الزجاج: النفق: الطريق النافذ في الأرض. والنافقاء، ممدود: أحد جحِرة اليربوع يَخرِقه من باطن الأرض إلى جلدة الأرض، فاذا بلغ الجلدة أرقَّها، حتى إنْ رابه ريب، دفع برأسه ذلك المكان وخرج، ومنه سمي المنافق، لأنه أبطن غير ما أظهر، كالنافقاء الذي ظاهره غير بين، وباطنه حفر في الأرض. و «السلّم» مشتق من السلامة، وهو الشيء الذي يسلّمك إلى مصعدك.
والمعنى: فان استطعت هذا فافعل، وحذف «فافعل» ، لأن في الكلام دليلا عليه. وقال أبو عبيدة:
السلّم: السبب والمرقاة، تقول: اتخذتني سُلَّماً لحاجتك، أي: سببا. وفي قوله تعالى: فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ قولان: أحدهما: بآية قد سألوك إيّاها، وذلك أنهم سألوا نزول ملك الموت، ومثل آيات الأنبياء، كعصا موسى، وناقة صالح. والثاني: بآية هي أفضل من آيتك.
قوله تعالى: وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى فيه ثلاثة أقوال: أحدها: لو شاء أن يطبعهم على الهدى لطبعهم. والثاني: لو شاء لأنزل ملائكة تضطرُّهم إلى الإيمان. ذكرهما الزجاج. والثالث: لو شاء لآمنوا كلهم، فأخبر إنما تركوا الإيمان بمشيئته، ونافذ قضائه.
قوله تعالى: فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ فيه ثلاثة أقوال: أحدها: لا تجهل أنه لو شاء لجمعهم على الهدى. والثاني: لا تجهل أنه يؤمن بك بعضهم، ويكفر بعضهم. والثالث: لا تكونن ممن لا صبر له، لأن قلة الصبر من أخلاق الجاهلين.
[[سورة الأنعام (٦) : آية ٣٦]]
إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (٣٦)
قوله تعالى: إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ أي: إنما يجيبك من يسمع، والمراد به سماع قبول.
وفي المراد بالموتى قولان: أحدهما: أنهم الكفار، قاله الحسن، ومجاهد وقتادة، فيكون المعنى: إنما يستجيب المؤمنون فأما الكفار، فلا يستجيبون حتى يبعثهم الله تعالى: ثم يحشرهم كفاراً، فيجيبون اضطراراً. والثاني: أنهم الموتى حقيقة، ضربهم الله تعالى مثلاً والمعنى: أن الموتى لا يستجيبون حتى يبعثهم الله، فكذلك الذين لا يسمعون.
عزاه المصنف لأبي صالح عن ابن عباس، وأبو صالح غير ثقة في ابن عباس، وراويته هو الكلبي، وقد كذبه غير واحد، فالخبر لا شيء.