للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله تعالى: وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى. معناه: قالت اليهود: كونوا هوداً، وقالت النصارى: كونوا نصارى، تهتدوا. بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً، المعنى: بل نتبع ملة إبراهيم في حال حنيفيته، وفي الحنيف قولان: أحدهما: أنه المائل إلى العبادة، قال الزجاج: الحنيف في اللغة: المائل إلى الشيء، أُخذ من قولهم: رجل أحنف، وهو الذي تميل قدماه كل واحدة منهما إلى أختها بأصابعها.

قالت أُم الأحنف ترقصه «١» :

والله لولا حَنَفٌ برجله ... ودِقة في ساقه من هزله

ما كان في فتيانكم من مثله والثاني: أنه المستقيم، ومنه قيل للأعرج: حنيف، نظراً له إلى السلامة، هذا قول ابن قتيبة. وقد وصف المفسرون الحنيف بأوصاف، فقال عطاء: هو المخلص، وقال ابن السائب: هو الذي يحج.

وقال غيرهما: هو الذي يوحّد ويحج، ويضحي ويختتن، ويستقبل الكعبة.

فأمّا الأسباط: فهم بنو يعقوب، وكانوا اثني عشر رجلاً، قال الزجاج: السبط في اللغة: الجماعة الذين يرجعون إلى ربّ واحد. والسّبط في اللغة: الشّجرة، فالسّبط: الذين هم من شجرة واحدة.

[[سورة البقرة (٢) : آية ١٣٧]]

فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١٣٧)

قوله تعالى: فَإِنْ آمَنُوا، يعني: أهل الكتاب. وفي قوله تعالى: بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ ثلاثة أقوال: أحدها: أن معناه: مثل إيمانكم، فزيدت الباء للتوكيد، كما زيدت في قوله: وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ «٢» ، قاله ابن الأنباري. والثاني: أن المراد بالمثل هاهنا: الكتاب، وتقديره: فان آمنوا بكتابكم كما آمنتم بكتابهم، قاله أبو معاذ النحوي. والثالث: أن المثل هاهنا: صلة، والمعنى: فان آمنوا بما آمنتم به. ومثله قوله: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ «٣» ، أي: ليس كهو شيء. وأنشدوا:

يا عاذلي دعنيَ من عذلكا ... مثليَ لا يقبل من مثلكا

أي: أنا لا أقبل منك. فأما الشقاق فهو المشاقة والعداوة، ومنه قولهم: فلان قد شق عصا المسلمين، يريدون: فارق ما اجتمعوا عليه من اتباع إمامهم، فكأنه صار في شق غير شقهم.

قوله تعالى: فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ، هذا ضمان لنصر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم.

[[سورة البقرة (٢) : آية ١٣٨]]

صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عابِدُونَ (١٣٨)

قوله تعالى: صِبْغَةَ اللَّهِ. سبب نزولها: أن النصارى كانوا إذا ولد لأحدهم ولد، فأتى عليه سبعة أيام، صبغوه في ماء لهم، يقال له: المعمودية، ليطهروه بذلك، ويقولون: هذا طهور مكان


(١) في اللسان: أرقصت الأم صبيها ورقّصته: نزّته. والمنزّ: المهد، مهد الصبي.
(٢) مريم: ٢٤.
(٣) الشورى: ١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>