يقال: يا غلام أقبل. ومن فتح الياء، أبدل من كسرة لام الفعل فتحة، استثقالاً لاجتماع الياءات مع الكسرة، فانقلبت ياء الإِضافة ألفاً، ثم حذفت الألف كما تحذف الياء، فبقيت الفتحة على حالها.
وقيل: إِن المعنى: يا بني آمن واركب معنا.
قوله تعالى: سَآوِي أي: سأصير وأرجع إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي أي: يمنعني مِنَ الْماءِ أي: من تغريق الماء. قالَ لا عاصِمَ الْيَوْمَ فيه قولان: أحدهما: لا مانع اليوم من أمر الله، قاله أبو صالح عن ابن عباس. والثاني: لا معصوم، ومثله: ماء دافق، أي: مدفوق، وسرٌّ كاتم، وليلٌ نائم، قاله ابن قتيبة. قوله تعالى: إِلَّا مَنْ رَحِمَ قال الزجاج: هذا استثناء ليس من الأول، والمعنى: لكن من رحم الله فانه معصوم. قال مقاتل: إِلا من رحم فركب السفينة.
قوله تعالى: وَحالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ في المكنّى عنهما قولان: أحدهما: أنهما ابن نوح والجبل الذي زعم أنه يعصمه، رواه أبو صالح عن ابن عباس، وبه قال مجاهد. والثاني: نوح وابنه، قاله مقاتل.
[سورة هود (١١) : الآيات ٤٤ الى ٤٧]
وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْماءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٤٤) وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ (٤٥) قالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ (٤٦) قالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ (٤٧)
قوله تعالى: وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وقف قوم على ظاهر الآية، وقالوا: إِنما ابتلعت ما نبع منها، ولم تبتلع ماء السماء، فصار ذلك بحاراً وأنهاراً، وهو معنى قول ابن عباس. وذهب آخرون إِلى أن المراد: ابلعي ماءك الذي عليك، وهو ما نبع من الأرض ونزل من السماء، وذلك بعد أن غرق ما على وجه الأرض. قوله تعالى: وَيا سَماءُ أَقْلِعِي أي: أمسكي عن إِنزال الماء. قال ابن الأنباري: لما تقدم ذكر الماء، عُلم أن المعنى: أقلعي عن إِنزال الماء. قوله تعالى: وَغِيضَ الْماءُ أي: نقص. قال الزجاج: يقال: غاض الماء يغيض: إِذا غاب في الأرض. ويجوز إِشمام الضم في الغين.
قوله تعالى: وَقُضِيَ الْأَمْرُ قال ابن عباس: غرق مَنْ غرق، ونجا مَنْ نجا. وقال مجاهد:
«قضي الأمر» : هلاك قوم نوح. وقال ابن قتيبة: «وقضي الأمر» أي: فرغ منه. قال ابن الأنباري:
والمعنى: أُحكمتْ هلكة قوم نوح، فلما دلت القصة على ما يبيِّن هلكتهم، أغنى عن نعت الأمر.
قوله تعالى: وَاسْتَوَتْ يعني السفينة عَلَى الْجُودِيِّ وهو اسم جبل. وقرأ الأعمش، وابن أبي عبلة: «على الجودي» بسكون الياء. قال ابن الأنباري: وتشديد الياء في «الجوديّ» لأنها ياء النسبة، فهي كالياء في علوي، وهاشمي. وقد خففها بعض القراء. ومن العرب من يخفف ياء النسبة، فيسكنها في الرفع، والخفض، ويفتحها في النصب، فيقول: قام زيد العلوي، ورأيت زيداً العلوي. قال ابن عباس: دارت السفينة بالبيت أربعين يوماً، ثم وجهها الله إِلى الجودي فاستقرت عليه. واختلفوا أين هذا