و «التقوى» ترك الكذب. ثم ذكر أن ما يفعله اليهود والمنافقون، من الشيطان، فقال عزّ وجلّ: إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ أي: من تزيينه، والمعنى: إنما يزيِّن لهم ذلك لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وقد بيّنّا آنفا ما كان يحزن المؤمنين من هذه النجوى وَلَيْسَ بِضارِّهِمْ شَيْئاً أي: وليس الشيطان بضارِّ المؤمنين شيئاً إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ أي: بإرادته وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ أي: فليكلوا أُمورهم إليه.
قوله عزّ وجلّ: إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ وقرأ عاصم «في المجالس» على الجمع، وذلك أنّ كل جالس له مجلس، فالمعنى: ليفسح كل رجل منكم في مجلسه «١» .
(١٤٠٢) قال المفسرون: نزلت في نفر من المؤمنين كانوا يسابقون إلى مجلس رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فإذا أقبل المهاجرون وأهل السابقة، لم يجدوا موضعا، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يحب أن يليه أولو الفضل ليحفظوا عنه، فبينما رسول الله صلّى الله عليه وسلم يوم جمعة جالس في صُفَّةٍ ضيِّقةٍ في المسجد، جاء نفر من أهل بدر فيهم ثابت بن قيس بن شماس، فسلَّموا وانتظروا أن يوسّعوا لهم، فأوسعوا لبعضهم، وبقي بعضهم، فشق ذلك على رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فقال: قم يا فلان، قم يا فلان، حتى أقام من المجلس على عدة من هو قائم من أهل السابقة، فرأى رسول الله صلّى الله عليه وسلم في وجوه من أقامهم الكراهة، وتكلَّم المنافقون في ذلك وقالوا: والله ما عدل، فنزلت هذه الآية.
وقال قتادة: كانوا يتنافسون في مجلس رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فإذا أقبل مقبل ضَنّوا بمجلسهم، فأمرهم الله أن يفسح بعضهم لبعض. قال المفسرون: ومعنى «تفسّحوا» توسّعوا وذلك أنهم كانوا يجلسون متصافّين حول رسول الله صلّى الله عليه وسلم فلا يجد غيرهم مجلساً عنده، فأمرهم أن يوسِّعوا لغيرهم ليتساوى الناس في الحظِّ منه، ويظهر فضيلة المقرَّبين إليه من أهل بدر وغيرهم.
وفي المراد «بالمجلس» هاهنا ثلاثة أقوال: أحدها: أنه مجلس الحرب ومقاعد القتال، كان الرجل يأتي القوم في الصفِّ، فيقول لهم: توسَّعوا، فيأبَوْن عليه لحرصهم على القتال، وهذا قول ابن عباس والحسن وأبي العالية والقرظي. والثاني: أنه مجلس رسول الله صلّى الله عليه وسلم، قاله مجاهد. وقال قتادة: كان هذا للنبي صلّى الله عليه وسلم ومن حوله خاصة. والثالث: مجالس الذكر كلِّها، روي عن قتادة أيضا. وقرأ عليّ بن أبي طالب عليه السلام وأبو رزين وأبو عبد الرحمن ومجاهد والحسن وعكرمة وقتادة وابن أبي عبلة والأعمش:«تفسحوا في المجالس» بألف على الجمع.
قوله عزّ وجلّ: يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ أي: يوسّع الله لكم الجنّة، والمجالس فيها.
عزاه ابن كثير ٤/ ٣٨٣- ٣٨٤ لابن أبي حاتم عن مقاتل، وهذا مرسل، ومقاتل ذو مناكير، وهذا منها.