للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدها: أنه كان بوحي من الله عزّ وجل. والثاني: أنه بنى على علم ما علّمه الله من التأويل الحق، فلم يشك. والثالث: أنه أضمر «إِن شاء الله» كما أضمر إِخوته في قولهم: وَنَمِيرُ أَهْلَنا وَنَحْفَظُ أَخانا «١» ، فاضمروا الاستثناء في نياتهم، لأنهم على غير ثقة مما وعدوا، ذكره ابن الأنباري. والرابع: أنه كالآمر لهم، فكأنه قال: ازرعوا.

قوله تعالى: فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ فإنه أبقى له، وأبعد من الفساد. والشِّداد: المجدبات التي تشتد على الناس. يَأْكُلْنَ أي: يُذهبن ما قدمتم لهنّ في السنين المخصبة، فوصف السنين بالأكل، وإِنما يؤكل فيها، كما يقال: ليل نائم.

قوله تعالى: إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ أي: تحرزون وتدّخرون.

[[سورة يوسف (١٢) : آية ٤٩]]

ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عامٌ فِيهِ يُغاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ (٤٩)

قوله تعالى: ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عامٌ إِن قيل: لِمَ أشار إِلى السنين وهي مؤنثة ب «ذلك» ؟ فعنه جوابان ذكرهما ابن القاسم: أحدهما: أن السبع مؤنثه، ولا علامة للتأنيث في لفظها، فأشبهت المذكّر، كقوله تعالى: السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ «٢» فذكّر منفطراً لمّا لم يكن في السماء علم التأنيث، قال الشاعر:

فلا مُزْنةٌ وَدَقَتْ وَدْقَها ... وَلاَ أَرْضٌ أَبْقَلَ إِبْقَالَهَا «٣»

فذكرّ «أبقل» لِما وصفنا. والثاني: أن «ذلك» إِشارة إِلى الجدب، وهذا قول مقاتل، والأول قول الكلبي. قال قتادة: زاده الله علم عام لم يسألوه عنه.

قوله تعالى: فِيهِ يُغاثُ النَّاسُ فيه قولان أحدهما: يصيبهم الغيث، قاله ابن عباس. والثاني:

يغاثون بالخصب. ذكره الماوردي. قوله تعالى: وَفِيهِ يَعْصِرُونَ قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وعاصم: «يعصرون» بالياء. وقرأ حمزة والكسائي بالتاء، فوجَّها الخطاب إِلى المستفتين. وفي قوله: «يعصرون» خمسة أقوال: أحدها: يعصرون العنب والزيت والثمرات، رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال قتادة، والجمهور. والثاني: «يعصرون» بمعنى يحتلبون، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس. وروى ابن الأنباري عن أبيه عن أحمد بن عبيد قال: تفسير «يعصرون» يحتلبون الألبان لِسَعَةِ خيرهم واتِّساع خصبهم، واحتج بقول الشاعر:

فما عِصْمةُ الأعْرَابِ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُم ... طَعَامٌ وَلاَ دَرٌّ مِنَ المَالِ يُعْصَرُ

أي: يُحلب. والثالث: ينجون، وهو من العَصَر، والعَصَر: النجاء، والعُصْرة: المنجاة. ويقال:

فلان في عُصْرة: إِذا كان في حصن لا يُقدَر عليه، قال الشاعر:

صَادِياً يَسْتغيث غير مغاث ... ولقد كان عصرة المنجود «٤»


(١) سورة يوسف: ٦٥.
(٢) سورة المزمل: ١٨.
(٣) البيت لعامر بن جوين الطائي، انظر «خزانة الأدب» ١/ ٢١. وذكره ابن منظور في «اللسان» مادة «ودق» . وودق به أي: أنس، والودق: المطر كله شديدة وهيّنه، وقد ودق: أي قطر.
(٤) ذكره ابن منظور في «اللسان» مادة «عصر» ونسبه لأبي زبيد. والصدى: شدة العطش.

<<  <  ج: ص:  >  >>