للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله تعالى: ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ، أي: أعرضتم إلا قليلاً منكم، وفيهم قولان: أحدهما: أنهم أوّلوهم الذين لم يبدلوا. والثاني: أنهم الذين آمنوا بالنبيّ محمّد صلّى الله عليه وسلّم في زمانه.

[سورة البقرة (٢) : الآيات ٨٤ الى ٨٥]

وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (٨٤) ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى تُفادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (٨٥)

قوله تعالى: وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ، أي: لا يسفك بعضكم دم بعض، ولا يخرج بعضكم بعضاً من داره. قال ابن عباس: ثم أقررتم يومئذ بالعهد، وأنتم اليوم تشهدون على ذلك، فالإِقرار على هذا متوجه إِلى سلفهم، والشهادة متوجهة إِلى خلفهم. ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ، أي: يقتل بعضكم بعضاً. روى السدي عن أشياخه قال: كانت قريظة حلفاء الأوس، والنضير حلفاء الخزرج فكانوا يقاتلون في حرب سمير «١» ، فيقاتل بنو قريظة مع حلفائها النّضير، وكانت النضير تقاتل قريظة وحلفاءها، فيغلبونهم فيقتلون ويخربون الديار ويخرجون منها، فاذا أسر الرجل من الفريقين كليهما جمعوا له حتى يفدوه، فتعيِّرهم العرب بذلك فتقول: كيف تقاتلونهم وتفدونهم؟! فيقولون: أمرنا أن نفديهم، وحرم علينا قتلهم. فتقول العرب: فلم تقاتلونهم؟ فيقولون:

نستحيي أن يستذلّ حلفاؤنا، فعيّرهم الله عزّ وجلّ، فقال: ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ إلى قوله تعالى: أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ، فكان إِيمانهم ببعضه فداءهم الأسارى، وكفرهم قتل بعضهم بعضاً.

قوله تعالى: تُظْهِرُونَ، قرأ عاصم وحمزة والكسائي (تظاهرون) ، وفي التحريم:

«تظهرا» «٢» ، بتخفيف الظاء، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو بتشديد الظاء مع إثبات الألف. قال أبو علي: من قرأ (تظّاهرون) بتشديد الظاء، أدغم التاء في الظاء، لمقاربتها لها، فخفف بالإدغام. ومن قرأ (تظاهرون) خفيفة، حذف التاء التي أدغمها أولئك من اللفظ، فخفف بالحذف. والتاء التي أدغمها ابن كثير هي التي حذفها عاصم. وروي عن الحسن وأبي جعفر «تظَّهرون» بتشديد الظاء من غير ألف، فالتظاهر: التعاون. قال ابن قتيبة: وأصله من الظهر، فكأن التظاهر: أن يجعل كل واحد من الرجلين الآخر ظهراً له يتقوى به، ويستند إِليه. قال مقاتل: والإثم: المعصية، والعدوان: الظلم.

قوله تعالى: وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى تُفادُوهُمْ، أصل الأسر: الشد. قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر (أُسارى) ، وقرأ الأعمش وحمزة «أسرى» ، قال الفراء: أهل الحجاز يجمعون الأسير: «أَسارى» وأهل نجد أكثر كلامهم «أَسرى» وهو أجود الوجهين في العربية، لأنه بمنزلة قولهم: جريح وجرحى، وصريع وصرعى، وروى الأصمعي عن أبي عمرو قال: الأسارى: ما شدوا، والأسرى: في أيديهم،


(١) اسم رجل سميت بذلك لأنه السبب.
(٢) التحريم: ٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>