للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

و «يقتلون أبناءكم» بالتشديد، وخففهما نافع. وقرأ ابن كثير: «سَنَقْتُلُ» خفيفة، و «يقتّلون» مشددة، وإنما عدل عن قتل موسى إلى قتل الأبناء لعلمه أنه لا يقدر عليه. وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ أي: عالون بالملك والسلطان. فشكا بنو إسرائيل إعادة القتل على أبنائهم، فقال موسى: اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا على ما يُفعل بكم إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ. وقرأ الحسن، وهبيرة عن حفص عن عاصم: «يورِّثها» بالتشديد. فأطمعهم موسى أن يعطيهم الله أرض فرعون وقومه بعد إهلاكهم.

قوله تعالى: وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ فيها قولان: أحدهما: الجنّة. والثاني: النّصر والظّفر.

[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١٢٩ الى ١٣٠]

قالُوا أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا وَمِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا قالَ عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (١٢٩) وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (١٣٠)

قوله تعالى: قالُوا أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا وَمِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا في هذا الأذى ستة أقوال:

أحدها: أن الأذى الأول والثاني أخذ الجزية، قاله الحسن. والثاني: أن الأول ذبح الأبناء، والثاني إدراك فرعون يوم طلبهم، قاله السدي. والثالث: أن الأول أنهم كانوا يسخَّرون في الأعمال إلى نصف النهار، ويرسَلون في بقيته يكتسبون. والثاني تسخيرهم جميع النهار بلا طعام ولا شراب، قاله جويبر. والرابع: أن الأول تسخيرهم في ضرب اللَّبِن، وكانوا يعطونهم التّبن الذي يخلط به الطين والثاني أنهم كلِّفوا ضرب اللَّبِن وجعلَ التبن عليهم، قاله ابن السائب. والخامس: أن الأول قتل الأبناء، واستحياء البنات، والثاني تكليف فرعون إيّاهم ما لا يطيقون، قاله مقاتل. والسادس: أن الأول استخدامهم وقتل أبنائهم واستحياء نسائهم، والثاني إعادة ذلك العذاب.

وفي قوله تعالى: مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا قولان: أحدهما: تأتينا بالرّسالة ومن بعد جئتنا بها قاله ابن عباس. والثاني: تأتينا بعهد الله أنه سيخلِّصنا ومن بعد ما جئتنا به، ذكره الماوردي.

قوله تعالى: عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ قال الزجاج: عسى: طمع وإشفاق، إلا أن ما يُطمِع الله فيه فهو واجب.

قوله تعالى: وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ في هذا الاستخلاف قولان: أحدهما: أنه استخلاف من فرعون وقومه. والثاني: استخلاف عن الله تعالى، لأن المؤمنين خلفاء الله في أرضه، وفي الأرض قولان: أحدهما: أرض مصر، قاله ابن عباس. والثاني: أرض الشام، ذكره الماوردي.

قوله تعالى: فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ قال الزجاج: أي: يراه بوقوعه منكم، لأنه إنما يجازيهم على ما وقع منهم، لا على ما علم أنه سيقع منهم.

قوله تعالى: وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ قال أبو عبيدة: مجازُه: ابتليناهم بالجدوب. وآل فرعون: أهل دينه وقومه. وقال مقاتل: هم أهل مصر. قال الفراء: «بالسنين» أي: بالقحط والجدوب عاماً بعد عام. وقال الزجاج: السنون في كلام العرب: الجدوب، يقال: مستهم السَّنة، ومعناه: جدب السَّنة، وشدة السَّنة. وإنما أخذهم بالضراء، لأن أحوال الشدة تُرِقُ القلوب، وتُرغِّب فيما عند الله وفي الرجوع اليه. قال قتادة: أما السنون، فكانت في بواديهم ومواشيهم، وأما نقص الثمرات، فكان في

<<  <  ج: ص:  >  >>