للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله تعالى: ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ هذا جواب القَسَم والمعنى: ما ضَلَّ عن طريق الهُدى، والمراد به: رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى أي: ما يتكلَّم بالباطل. وقال أبو عبيدة: «عن) بمعنى الباء.

وذلك أنهم قالوا: إنه يقول القرآن من تلقاء نفسه. إِنْ هُوَ أي: ما القرآنُ إِلَّا وَحْيٌ من الله يُوحى وهذا ممّا يحتجّ به من لا يجيز للنبيّ صلّى الله عليه وسلم أن يجتهد، وليس كما ظنُّوا، لأن اجتهاد الرأي إذا صدر عن الوحي، جاز أن ينسب إلى الوحي.

[سورة النجم (٥٣) : الآيات ٥ الى ١٨]

عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى (٥) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى (٦) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى (٧) ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى (٨) فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى (٩)

فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى (١٠) ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى (١١) أَفَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى (١٢) وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى (١٣) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى (١٤)

عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى (١٥) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى (١٦) ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى (١٧) لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى (١٨)

قوله تعالى: عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى وهو جبريل عليه السلام علّم النبيّ صلّى الله عليه وسلم قال ابن قتيبة: وأصل هذا من «قُوَى الحَبْل» وهي طاقاتُه، الواحدة: قُوَّةٌ ذُو مِرَّةٍ أي: ذو قُوَّة، وأصل المِرَّة: الفَتْلُ. قال المفسرون: وكان من قُوَّته أنه قلع قَرْيات لوط وحملها على جناحه فقلبها، وصاح بثمود فأصبحوا خامدين. قوله تعالى: فَاسْتَوى (٦) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى فيه قولان: أحدهما: فاستوى جبريل، (وهو) يعني النبيّ صلّى الله عليه وسلم والمعنى أنهما استويا بالأفق الأعلى لمّا أُسري برسول الله صلّى الله عليه وسلم، قاله الفرّاء. والثاني:

فاستوى جبريل، و (هو) يعني جبريل. بالأفق الأعلى على صورته الحقيقية.

(١٣٥٤) لأنه كان يتمثّل لرسول الله صلّى الله عليه وسلم إذا هبط عليه بالوحي في صورة رجُل، وأحبّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن يراه على حقيقته، فاستوى في أفق المَشْرِق، فملأ الأفق. فيكون المعنى: فاستوى جبريلُ بالأفق الأعلى في صورته، هذا قول الزجَّاج. قال مجاهد: والأفق الأعلى: هو مَطْلِع الشمس. وقال غيره: إنما قيل له: «الأعلى» لأنه فوق جانب المَغْرب في صعيد الأرض لا في الهواء.

قوله تعالى: ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى قال الفراء: المعنى: ثم تَدلَّى فدنا، ولكنه جائز أن تقدِّم أيَّ الفعلين شئتَ إذا كان المعنى فيهما واحداً، فتقول: قد دنا فقَربُ، وقَرُبَ فدنا، وشتم فأساء، وأساء فشتم، ومنه قوله: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ «١» ، المعنى- والله أعلم-: انشق القمر واقتربت الساعة. قال


ساقه المصنف بمعناه. ورد من حديث مسروق عن عائشة: أخرجه البخاري ٣٢٣٥ ثنا أبي أسامة ثنا زكريا بن أبي زائدة عن ابن الأشرع به. وأخرجه مسلم ١٧٧ ح ٢٩٠ والطبري ٣٢٤٥٠ والبيهقي في «الأسماء والصفات» ٩٢١ وأبو عوانة ١/ ١٥٥ من طريق أبي أسامة بهذا الإسناد. وأخرجه البخاري ٤٦١٢ و ٤٨٥٥ و ٧٣٨٠ و ٧٥٣١ ومسلم ١٧٧ ح ١٨٩ وأحمد ٦/ ٤٩ وأبو عوانة ١/ ١٥٤ من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي به. وأخرجه مسلم ١٧٧ ح ٢٨٧ و ٢٨٨ والترمذي ٣٠٦٨ والنسائي في «التفسير» ٤٢٨ و ٥٥٢ وابن خزيمة في «التوحيد» ص ٢٢١- ٢٢٤ وأبو يعلى ٤٩٠٠ وابن حبان ٦٠ والطبري ٣٢٤٧٥ وابن مندة في «الإيمان» ٧٦٣ و ٧٦٦ وأبو عوانة ١/ ١٥٣ و ١٥٤ من طرق عن داود بن أبي هند عن الشعبي به. وأخرجه الترمذي ٣٢٧٨-

<<  <  ج: ص:  >  >>