للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنزل في النار، فأما الكافر فانه يرث المؤمنَ منزله من النار، والمؤمن يرث الكافر منزله من الجنة» فذلك قوله: أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ. وقال بعضهم: لما سمي الكفار أمواتاً بقوله: أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ «١» . وسمّى المؤمنين أحياء بقوله: لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا «٢» أورث الأحياء الموتى.

والثاني: أنهم أورثوها عن الأعمال، لأنها جُعلت جزاءً لأعمالهم، وثواباً عليها، إذ هي عواقبها، حكاه أبو سليمان الدمشقي. والثالث: أن دخول الجنة برحمة الله، واقتسامَ الدرجات بالأعمال. فلما كان يفسَّر نيلها لا عن عوض، سميت ميراثاً. والميراث: ما أخذته عن غير عوض. والرابع: أن معنى الميراث ها هنا: أن أمرهم يؤول إليها كما يؤول الميراث إلى الوارث.

[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٤٤ الى ٤٥]

وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (٤٤) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كافِرُونَ (٤٥)

قوله تعالى: فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا أي: من العذاب؟ وهذا سؤال تقرير وتعيير. قالُوا نَعَمْ. قرأ الجمهور بفتح العين في سائر القرآن، وكان الكسائي يكسرها. قال الأخفش: هما لغتان.

قوله تعالى: فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أي: نادى منادٍ. أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ قرأ ابن كثير في رواية قنبل، ونافع، وأبو عمرو، وعاصم: «أنْ لعنةُ الله» خفيفة النون ساكنة. وقرأ ابن عامر، وحمزة، والكسائي: «أنّ» بالتشديد، «لعنةَ الله» بالنصب. قال الأخفش: و «أنْ» في قوله: أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ «٣» وقوله: أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ، وقوله: أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ «٤» ، وأَنْ قَدْ وَجَدْنا، هي «أنّ» الثقيلة خففت. قال الشاعر:

في فِتْيَةٍ كَسُيْوفِ الهِنْدِ قَد عَلِمُوا ... أنْ هَالِكٌ كلُّ من يَحْفَى ويَنْتَعِلُ «٥»

وأنشد أيضاً:

أُكاشِرُهُ وَأعْلَمُ أَنْ كِلاَنَا ... عَلَى ما سَاءَ صَاحِبَه حَرِيْصُ «٦»

ومعناه: أنه كلانا وتكون «أن قد وجدنا» في معنى: أي: قال ابن عباس: والظّالمون ها هنا:

الكافرون.

قوله تعالى: الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أي: أذن المؤذن ان لعنة الله على الذين كفروا وصدّوا عن


أهل النار يرى مقعده في الجنة فيقول: لو أن الله هداني فيكون عليهم حسرة، قال: وكل أهل الجنة يرى مقعده في النار فيقول: لولا أن الله هداني قال: فيكون له شكرا» لفظ أحمد وغيره. أخرجه النسائي في «الكبرى» ١٤٥٤ وأحمد ٢/ ٥١٢ والحاكم ٢/ ٤٣٥ و ٤٣٦، والبيهقي في «البعث والنشور» ٢٦٩. وإسناده حسن.

<<  <  ج: ص:  >  >>