للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أعناقهم حتى يردوا النّار. وقال مقاتل: تُغلُّ أيديهم إلى أعناقهم وتُجْمعُ نواصيهم إلى أقدامهم، ثم يُدفعون إلى جهنم على وجوههم، حتى إذا دَنوا منها قالت لهم خزنتُها: هذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ (١٤) في الدنيا أَفَسِحْرٌ هذا العذاب الذي ترون؟ فإنكم زعمتم أن الرُّسل سحرةٌ أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ النار؟ فلمّا أُلقوا فيها قال لهم خزنتُها: اصْلَوْها. وقال غيره: لمّا نسبوا محمّدا صلّى الله عليه وسلم إلى أنه ساحر يغطِّي على الأبصار بالسِّحر، وُبِّخوا عند رؤية النار بهذا التوبيخ، وقيل: اصْلَوْها أي:

قاسوا شِدَّتها فَاصْبِرُوا على العذاب أَوْ لا تَصْبِرُوا سَواءٌ عَلَيْكُمْ الصَّبر والجزع إِنَّما تُجْزَوْنَ جزاء ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ من الكفر والتكذيب.

[سورة الطور (٥٢) : الآيات ١٧ الى ٢٠]

إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ (١٧) فاكِهِينَ بِما آتاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقاهُمْ رَبُّهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (١٨) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٩) مُتَّكِئِينَ عَلى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (٢٠)

ثم وصف ما للمؤمنين بما بعد هذا، وقوله: فَكِهِينَ قرئت بألف وبغير ألف. وقد شرحناها في يس «١» ، وَوَقاهُمْ أي: صرف عنهم، والْجَحِيمِ مذكور في البقرة «٢» . كُلُوا أي يقال لهم:

كُلوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً تأمنون حدوث المرض عنه. قال الزّجّاج: المعنى: لينهكم ما صِرتم إليه، وقد شرحنا هذا في سورة النساء. ثم ذكر حالهم عند أكلهم وشربهم، فقال: مُتَّكِئِينَ عَلى سُرُرٍ وقال ابن جرير: فيه محذوف تقديره: على نمارق على سُرُر، وهي جمع سرير مَصْفُوفَةٍ قد وُضع بعضُها إلى جنْب بعض. وباقي الآية مفسَّر في سورة الدّخان «٣» .

[سورة الطور (٥٢) : الآيات ٢١ الى ٢٨]

وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ (٢١) وَأَمْدَدْناهُمْ بِفاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (٢٢) يَتَنازَعُونَ فِيها كَأْساً لا لَغْوٌ فِيها وَلا تَأْثِيمٌ (٢٣) وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ (٢٤) وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ (٢٥)

قالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنا مُشْفِقِينَ (٢٦) فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا وَوَقانا عَذابَ السَّمُومِ (٢٧) إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ (٢٨)

قوله تعالى: وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ قرأ ابن كثير وعاصم وحمزة والكسائي،: «واتَّبعْتهم» بالتاء «ذُرِّيَّتُهم» واحدة بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ واحدة أيضاً. وقرأ نافع: «واتَّبعتْهم ذُرِّيَّتُهم» واحدة «بهم ذُرِّيَّاتِهم» جمعاً.

وقرأ ابن عامر: «وأَتْبعْناهم ذُرِّيَّاتِهم» «بهم ذُرِّيّاتِهم» جمعاً في الموضعين. واختلفوا في تفسيرها على ثلاثة أقوال: أحدها: أن معناها: واتَّبعتهم ذريتُهم بإيمان ألحقنا بهم ذرياتهم من المؤمنين في الجنة وإن كانوا لم يبلُغوا أعمال آبائهم تكرمةً من الله تعالى لآبائهم المؤمنين باجتماع أولادهم معهم، روى هذا المعنى سعيد بن جبير عن ابن عباس. والثاني: واتَّبعتهم ذريتُهم بإيمان، أي: بلغت أن آمنتْ، ألحقنا بهم ذُرِّيَّتهم الصِّغار الذين لم يبلُغوا الإيمان. وروى هذا المعنى العوفي عن ابن عباس، وبه قال الضحاك. ومعنى هذا القول، أن أولادهم الكبار، تبعوهم بإيمان منهم، وأولادهم الصغار تبعوهم


(١) يس: ٥٥.
(٢) البقرة: ١١٩.
(٣) الدخان: ٥٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>