اليهود، وفي هذه الأمَّة، قاله ابن مسعود، والحسن، والنخعي، والسدي. والرابع: أنها نزلت في اليهود والنصارى، قاله أبو مجلز. والخامس: أن الأولى في المسلمين، والثانية في اليهود، والثالثة في النصارى، قاله الشعبي.
وفي المراد بالكفر المذكور في الآية الأولى قولان: أحدهما: أنه الكفر بالله تعالى. والثاني: أنه الكفر بذلك الحكم، وليس بكفر ينقل عن الملّة.
وفصل الخطاب: أن من لم يحكم بما أنزل الله جاحداً له، وهو يعلم أن الله أنزله، كما فعلت اليهود، فهو كافر، ومن لم يحكم به ميلاً إِلى الهوى من غير جحود، فهو ظالم وفاسِق. وقد روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أنه قال: من جحد ما أنزل الله فقد كفر، ومَن أقرَّ به ولم يحكم به فهو فاسق وظالم.
قوله تعالى: وَكَتَبْنا أي: فرضنا عَلَيْهِمْ أي: على اليهود فِيها أي: في التوراة. قال ابن عباس: وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس، فما بالهم يخالفون، فيقتلون النفسين بالنفس، ويفقئون العينينِ بالعين؟ وكان على بني إِسرائيل القصاص أو العفو، وليس بينهم دية في نفس ولا جُرح، فخفف الله عن أُمة محمد بالدية. قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر: النَّفسَ بالنفسِ، والعينَ بالعينِ، والأنف بالأنف، والأذن بالأذن، والسنَ بالسنِ، ينصبون ذلك كلَّه، ويرفعون «والجروحُ» . وكان نافع، وعاصم، وحمزة ينصبون ذلك كلَّه، وكان الكسائي يقرأ:«أن النفس بالنفس» نصباً، ويرفع ما بعد ذلك. قال أبو علي: وحجّته أن الواو لعطف الجُمل، لا للاشتراك في العامل، ويجوز أن يكون حمل الكلام على المعنى، لأن معنى: وكتبنا عليهم: قلنا لهم: النفس بالنفس، فحمل العين على هذا، وهذه حجّة من رفع الجروح. ويجوز أن يكون مستأنفاً، لا أنه ممّا كُتب على القوم، وإِنما هو ابتداء ايجاب. قال القاضي أبو يعلى: وقوله تعالى: العين بالعين، ليس المراد قلع العين بالعين، لتَعذّر استيفاء المماثلة، لأنا لا نقف على الحدِّ الذي يجب قلعه، وإِنما يجب فيما ذهب ضوؤها وهي قائمةٌ، وصفة ذلك أن تُشدَّ عين القالع، وتُحمى مرآة، فتقدّم من العين التي فيها القصاص حتى يذهب ضوؤها. وأما الأنف فإذا قطع المارن، وهو ما لان منه، وتركت قصبته، ففيه القصاص، وأما إِذا قطع من أصله، فلا قصاص فيه، لأنه لا يمكن استيفاء القصاص، كما لو قطع يده من نصف الساعد. وقال أبو يوسف، ومحمد: فيه القصاص إِذا استوعب. وأما الأُذن، فيجب القصاص إذا استُوعِبَت، وعرف المقدار. وليس في عظمٍ قصاص إِلا في السن، فان قلعت قلع مثلها، وإِن كُسِرَ بعضُها، برد بمقدار ذلك. وقوله تعالى: وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ يقتضي إِيجاب القصاص في سائِر الجراحات التي يمكن استيفاء المثل فيها.
قوله تعالى: فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ يشير إِلى القصاص. فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ في هاء «له» قولان: