تعالى، أفتَرَى أنهم أخشى لله من أبي بكر وعمر؟ قال: فرأيت ذلك كذلك. وقال عكرمة: سُئلتْ أسماءُ بنت أبي بكر: هل كان أحد من السَّلَف يُغشى عليه من الخوف؟ قالت: لا، ولكنهم كانوا يبكون.
(١٢٢٩) وقال عبد الله بن عروة بن الزبير: قلت لجَدَّتي أسماءَ بنتِ أبي بكر، كيف كان أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يفعلون إذا قرئ عليهم القرآن؟ قالت: كانوا كما نعتهم اللهُ تعالى، تَدْمَعْ أعيُنُهم وتَقْشَعِرُّ جلودهم. فقلت لها: إنّا ناسا اليوم إذا قرئ عليهم القرآن، خَرَّ أحدُهم مَغْشِيّاً عليه، فقالت: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
وكان جَوّاب يُرْعَدُ عند الذِّكْر، فقال له إبراهيم النخعي: إن كنت تملكه، فما أُبالي أن لا أعتدَّ بك، وإن كنتَ لا تملكه، فقد خالفتَ من كان قبلك.
قوله تعالى: ذلِكَ هُدَى اللَّهِ في المشار إِليه قولان: أحدهما: أنه القرآن، قاله مقاتل. والثاني: أنه ما يَنْزِلُ بالمؤمنين عند تلاوة القرآن من اقشعرار الجلود عند الوعيد، ولينها عند الوعد، قاله ابن الأنباري.
[سورة الزمر (٣٩) : الآيات ٢٤ الى ٢٨]
أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (٢٤) كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (٢٥) فَأَذاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (٢٦) وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٢٧) قُرْآناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (٢٨)
قوله تعالى: أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذابِ أي: شِدَّتَه. قال الزجاج: جوابه محذوف، تقديره: كَمَنْ يدخُل الجنة؟ وجاء في التفسير أن الكافر يُلقى في النار مغلولاً، ولا يتهيَّأ له أن يتّقيها إلّا بوجهه. ثم أخبر عمّا يقول الخَزَنة للكفار بقوله تعالى: وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ يعني الكافرين ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ أي: جزاء كَسْبِكم.
قوله تعالى: كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أي: من قبْل كفار مكة فَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ أي: وهم آمنون غافلون عن العذاب، فَأَذاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ يعني الهوان والعذاب، وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ ممّا أصابهم في الدنيا لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ، ولكنهم لا يعلمون ذلك. وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ أي: وَصَفْنا لهم مِنْ كُلِّ مَثَلٍ أي: من كل شبه يشبه أحوالهم.
قوله تعالى: قُرْآناً عَرَبِيًّا قال الزجاج: «عَرَبِيًّا» منصوب على الحال، المعنى: ضربنا للناس في هذا القرآن في حال عربيَّته وبيانه، فذكر «قُرْآناً» توكيداً، كما تقول: جاءني زيد رجلاً صالحاً، وجاءني عمرو إِنساناً عاقلاً، فذكر رجلاً وإنساناً توكيداً. قوله تعالى: غَيْرَ ذِي عِوَجٍ روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال: غير مخلوق. وقال غيره: مستقيم غير مختلف.
موقوف. أخرجه البغوي في «التفسير» ١٨٢٠ بسند فيه خلف بن سالم فمن فوقه رجال الصحيح، ومن دونه بعضهم معروف، وبعضهم لم أجد له ترجمة، لكن توبعوا عند سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم كما في «الدر المنثور» ٥/ ٦١٠ فالخبر صحيح.