للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يوسف، فقالوا لهم: هذا غلام أبق منا، فقال مالك بن ذعر: فأنا أشتريه منكم، فباعوه بعشرين درهماً وحُلَّة ونعلين، وأسره مالك بن ذعر من أصحابه، وقال: استبضعَناه أهل الماء لنبيعه لهم بمصر.

قوله تعالى: وَأَسَرُّوهُ بِضاعَةً قال الزجاج: «بضاعةً» منصوب على الحال، كأنه قال: وأسرّوه جاعليه بضاعة. وقال ابن قتيبة: أسرّوا في أنفسهم أنه بضاعة وتجارة. وفي الفاعلين لذاك قولان:

أحدهما: أنهم واردو الجب، أسرّوا ابتياعه عن باقي أصحابهم، وتواصَوا أنه بضاعة استبضعهم إِياها أهل الماء وقد ذكرنا هذا المعنى عن ابن عباس، وبه قال مجاهد. والثاني: أنهم إِخوته، أسروّا أمره وباعوه، وقالوا: هو بضاعة لنا، وهذا المعنى مرويٌّ عن ابن عباس أيضاً «١» . قوله تعالى: وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِما يَعْمَلُونَ يعمّ الباعة والمشترين.

[[سورة يوسف (١٢) : آية ٢٠]]

وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ (٢٠)

قوله تعالى: وَشَرَوْهُ هذا حرف من حروف الأضداد، تقول: شريت الشيء بمعنى بعته وشريته، بمعنى اشتريته. فإن كان بمعنى باعوه، ففيهم قولان: أحدهما: أنهم إِخوته، وهو قول الأكثرين. والثاني: أنهم السيارة، ولم يبعه إِخوته، قاله الحسن، وقتادة. وإِن كان بمعنى اشتروه، فإنهم السيارة «٢» . قوله تعالى: بِثَمَنٍ بَخْسٍ فيه ثلاثة أقوال: أحدها: أنه الحرام، قاله ابن عباس،


(١) قال الإمام الطبري رحمه الله ٧/ ١٦٧: وأولى هذه الأقوال بالصواب قول من قال: «وأسرّ وارد القوم المدلي دلوه ومن معه من أصحابه، من رفقته السيارة، أمر يوسف أنهم اشتروه، خيفة منهم أن يستشركوهم، وقالوا لهم: هو بضاعة أبضعها معنا أهل الماء» . وذلك أنه عقيب الخبر عنه، فلأن يكون ما وليه من الخبر خبرا عنه، أشبه من أن يكون خبرا عمن هو بالخبر عنه غير متصل. [.....]
(٢) قال الحافظ ابن كثير رحمه الله ٢/ ٥٨٢: والأول أقوى، لأن قوله: وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ إنما أراد إخوته لا أولئك السيارة، لأن السيارة استبشروا به وأسرّوه بضاعة، ولو كانوا فيه زاهدين لما اشتروه، فترجّح من هذا أن الضمير في وَشَرَوْهُ إنما هو لإخوته. وقال الطبري رحمه الله ٧/ ١٦٨: وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: تأويل ذلك: «وشرى إخوة يوسف يوسف بثمن بخس» ، وذلك أن الله عز وجل قد أخبر عن الذين اشتروه أنهم أسرّوا شراء يوسف من أصحابهم، خيفة أن يستشركوهم بادّعائهم أنه بضاعة. ولم يقولوا ذلك إلا رغبة فيه أن يخلص لهم دونهم، واسترخاصا لثمنه الذي ابتاعوه به، لأنهم ابتاعوه كما قال جل ثناؤه:
بِثَمَنٍ بَخْسٍ. ولو كان مبتاعوه من إخوته فيه من الزاهدين، لم يكن لقيلهم لرفاقهم: «هو بضاعة» معنى، ولا كان لشرائهم إياه وهم فيه من الزاهدين وجه، إلا أن يكونوا كانوا مغلوبا على عقولهم، لأنه محال أن يشتري صحيح العقل ما هو فيه زاهد من غير إكراه مكره له عليه، ثم يكذب في أمره الناس بأن يقول: «هو بضاعة لم أشتره» مع زهده فيه. بل هذا القول من قول من هو بسلعته ضنّين لنفاستها عنده، ولما يرجو من نفيس الثمن لها وفضل الربح.
- قلت: كذا رجّح الطبري وابن كثير، في حين لم يرجح ابن العربي في «الأحكام» ٣/ ٤٢- ٤٣ وكذا القرطبي ٩/ ١٣٢- ١٣٣ أحد القولين، مع أن القرطبي ذكر أقوالا أخر. والصواب والله أعلم خلاف ما ذهب إليه الطبري وابن كثير. أما الأثر الوارد عن ابن عباس، فإنه ساقط، أخرجه الطبري ١٨٩٠٨ بسند فيه ثلاثة مجاهيل. وأما سياق الآيات وسباقها، فإنه يدل على أن المراد بذلك بعض السيارة. فإن من وجده في البئر من السيارة أسرّ ذلك ولم يخبر باقي القافلة، فلما قدم مصر باعه بثمن بخس بسبب فقره، وعدم معرفته بقيمة هذا الملتقط، أما إخوة يوسف فقد ألقوه في الجب، وانطلقوا، وهو الذي يدل عليه كلامهم حيث قال أحدهم، وقد أخذوا برأيه لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ لم يقل نبيعه، فكان كما أراد هذا القائل. ثم هو كان قد ألقي في الجب، وقد تبرأ منه إخوته، فكيف يأخذون ثمنا عن تسليمه؟!

<<  <  ج: ص:  >  >>