للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله تعالى: وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ وهي جمع مُرْضِع مِنْ قَبْلُ أي: مِنْ قَبْل أنْ نَرُدَّه على أُمِّه، وهذا تحريم منع، لا تحريم شرع. قال المفسرون: بقي ثمانية أيام ولياليهن، كلَّما أُتي بمُرْضِع لم يَقْبل ثديها، فأهمَّهم ذلك واشتدَّ عليهم فَقالَتْ لهم أخته: هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ فقالوا لها: نعم، مَنْ تلك؟ فقالت: أُمي، قالوا: وهل لها لبن؟ قالت: لبن هارون. فلمَّا جاءت قَبِل ثديها. وقيل: إِنَّها لمَّا قالت: وَهُمْ لَهُ ناصِحُونَ قالوا: لعلَّكِ تعرفين أهله، قالت: لا، ولكني إِنما قلت: وهم للملِكِ ناصحون.

قوله تعالى: فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ قد شرحناه في طه «١» .

قوله تعالى: وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ بردِّ ولدها حَقٌّ وهذا عِلْم عِيان ومشاهدة وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ أنّ الله وعدها أن يردّه إليها.

[سورة القصص (٢٨) : الآيات ١٤ الى ١٧]

وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوى آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١٤) وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هذا مِنْ شِيعَتِهِ وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ قالَ هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (١٥) قالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (١٦) قالَ رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ (١٧)

وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ قد فسرنا هذه الآية في سورة يوسف «٢» ، وكلامُ المفسرين في لفظ الآيتين متقارب، إِلا أنهم فرَّقوا بين بلوغ الأشدّ وبين الاستواء. فأما بلوغ الأشُدِّ فقد سلف بيانه في سورة الانعام «٣» . وفي مدة الاستواء لهم قولان: أحدهما: أنه أربعون سنة، قاله مجاهد، وقتادة، وابن زيد.

والثاني: ستون سنة، ذكره ابن جرير. قال المفسرون: مكث عند أمِّه حتى فطمته، ثم ردَّته إِليهم، فنشأ في حِجْر فرعون وامرأته واتخذاه ولداً.

قوله تعالى: وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ فيها قولان: أحدهما: أنها مصر. والثاني: مدينة بالقرب من مصر.

قال السدي: ركب فرعون يوماً وليس عنده موسى، فلما جاء موسى ركب في إِثره فأدركه المَقِيل في تلك المدينة. وقال غيره: لمَّا توهَّم فرعون في موسى أنَّه عدوُّه أمر باخراجه من مدينته، فلم يدخل إِلا بعد أن كَبِر، فدخلها يوماً عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها. وفي ذلك الوقت أربعة أقوال: أحدها: أنَّه كان يوم عيد لهم، وكانوا قد اشتغلوا فيه بلهوهم، قاله عليٌّ عليه السلام. والثاني: أنه دخل نصف النهار، رواه جماعة عن ابن عباس، وبه قال سعيد بن جبير. والثالث: بين المغرب والعشاء، قاله وهب بن منبِّه. والرابع: أنَّهم لمَّا أخرجوه لم يدخل عليهم حتى كَبِر، فدخل على حين غفلة عن ذِكْره، لأنَّه قد نُسي أمرُه، قاله ابن زيد.

قوله تعالى: هذا مِنْ شِيعَتِهِ أي: من أصحابه من بني إِسرائيل وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ أي: من أعدائه من القِبط، والعدوّ يُذْكَر للواحد وللجمع. قال الزجاج: وإِنما قيل في الغائب: «هذا» و «هذا» ،


(١) طه: ٤٠.
(٢) يوسف: ٢٢. [.....]
(٣) الأنعام: ١٥٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>