للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهم مشفقون أن لا يُتقبَّل منهم» . قال الزجاج: فمعنى: «يؤتون» : يُعطون ما أَعْطَوا وهم يخافون أن لا يُتقبَّل منهم، أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ أي: لأنهم يوقنون أنهم يرجعون. ومعنى «يَأتون» : يعملون الخيرات وقلوبهم خائفة أن يكونوا مع اجتهادهم مقصِّرين، أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وقرأ أبو المتوكل، وابن السميفع: «يُسْرِعون» برفع الياء وإسكان السين وكسر الراء من غير ألف. قال الزجاج: يقال: أسرعت وسارعت في معنى واحد، إِلا أن «سارعت» أبلغ من «أسرعت» ، وَهُمْ لَها أي: من أجلها، وهذا كما تقول: أنا أُكرم فلاناً لك، أي: من أجلك. وقال بعض أهل العلم: الوجل المذكور ها هنا واقع على مضمر.

[سورة المؤمنون (٢٣) : الآيات ٦٢ الى ٦٧]

وَلا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها وَلَدَيْنا كِتابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٦٢) بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هذا وَلَهُمْ أَعْمالٌ مِنْ دُونِ ذلِكَ هُمْ لَها عامِلُونَ (٦٣) حَتَّى إِذا أَخَذْنا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذابِ إِذا هُمْ يَجْأَرُونَ (٦٤) لا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لا تُنْصَرُونَ (٦٥) قَدْ كانَتْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ تَنْكِصُونَ (٦٦)

مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سامِراً تَهْجُرُونَ (٦٧)

قوله تعالى: وَلَدَيْنا كِتابٌ يعني: اللوح المحفوظ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ قد أُثبت فيه أعمال الخلق، فهو ينطق بما يعملون وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ أي: لا يُنْقَصون من ثواب أعمالهم. ثم عاد إِلى الكفار، فقال:

بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هذا قال مقاتل: في غفلة عن الإِيمان بالقرآن. وقال ابن جرير: في عمىً عن هذا القرآن. قال الزجاج: يجوز أن يكون إِشارة إِلى ما وصف من أعمال البِرِّ في قوله: أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ، فيكون المعنى: بل قلوب هؤلاء في عماية من هذا ويجوز أن يكو إِشارة إِلى الكتاب، فيكون المعنى: بل قلوبهم في غمرة من الكتاب الذي ينطق بالحقّ وأعماُلهم مُحْصَاةٌ فيه. فخرج في المشار إِليه ب «هذا» ثلاثة أقوال: أحدها: القرآن. والثاني: أعمال البِرِّ. والثالث: اللوح المحفوظ.

قوله تعالى: وَلَهُمْ أَعْمالٌ مِنْ دُونِ ذلِكَ فيه أربعة أقوال: أحدها: أعمال سيِّئة دون الشِّرك، رواه عكرمة عن ابن عباس: والثاني: خطايا من دون ذلك الحق، قاله مجاهد. وقال ابن جرير: من دون أعمال المؤمنين وأهل التقوى والخشية. والثالث: أعمالٌ غير الأعمال التي ذُكِروا بها سيعملونها، قاله الزجاج. والرابع: أعمال- من قبل الحين الذي قدَّر الله تعالى أنه يعذِّبهم عند مجيئه- من المعاصي، قاله أبو سليمان الدمشقي. قوله تعالى: هُمْ لَها عامِلُونَ إِخبار بما سيعملونه من أعمالهم الخبيثة التي كُتبت عليهم لا بدَّ لهم من عملها.

قوله تعالى: حَتَّى إِذا أَخَذْنا مُتْرَفِيهِمْ أي: أغنياءهم ورؤساءهم، والإِشارة إِلى قريش. وفي المراد «بالعذاب» قولان: أحدهما: ضرب السيوف يوم بدر، قاله ابن عباس، ومجاهد، والضحاك. والثاني:

الجوع الذي عُذِّبوا به سبع سنين، قاله ابن السّائب. ويَجْأَرُونَ بمعنى: يصيحون. لا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ أي: لا تستغيثوا من العذاب إِنَّكُمْ مِنَّا لا تُنْصَرُونَ أي: لا تُمْنَعون من عذابنا. قَدْ كانَتْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ يعني: القرآن فَكُنْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ تَنْكِصُونَ أي: ترجعون وتتأخَّرون عن الإِيمان بها، مُسْتَكْبِرِينَ منصوب على الحال. وقوله: بِهِ الكناية عن البيت الحرام، وهي كناية عن غير مذكور والمعنى: إِنكم تستكبرون وتفتخرون بالبيت والحرم، لأمنكم فيه مع خوف سائر الناس في

<<  <  ج: ص:  >  >>