وهم مشفقون أن لا يُتقبَّل منهم» . قال الزجاج: فمعنى: «يؤتون» : يُعطون ما أَعْطَوا وهم يخافون أن لا يُتقبَّل منهم، أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ أي: لأنهم يوقنون أنهم يرجعون. ومعنى «يَأتون» : يعملون الخيرات وقلوبهم خائفة أن يكونوا مع اجتهادهم مقصِّرين، أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وقرأ أبو المتوكل، وابن السميفع:«يُسْرِعون» برفع الياء وإسكان السين وكسر الراء من غير ألف. قال الزجاج: يقال: أسرعت وسارعت في معنى واحد، إِلا أن «سارعت» أبلغ من «أسرعت» ، وَهُمْ لَها أي: من أجلها، وهذا كما تقول: أنا أُكرم فلاناً لك، أي: من أجلك. وقال بعض أهل العلم: الوجل المذكور ها هنا واقع على مضمر.
قوله تعالى: وَلَدَيْنا كِتابٌ يعني: اللوح المحفوظ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ قد أُثبت فيه أعمال الخلق، فهو ينطق بما يعملون وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ أي: لا يُنْقَصون من ثواب أعمالهم. ثم عاد إِلى الكفار، فقال:
بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هذا قال مقاتل: في غفلة عن الإِيمان بالقرآن. وقال ابن جرير: في عمىً عن هذا القرآن. قال الزجاج: يجوز أن يكون إِشارة إِلى ما وصف من أعمال البِرِّ في قوله: أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ، فيكون المعنى: بل قلوب هؤلاء في عماية من هذا ويجوز أن يكو إِشارة إِلى الكتاب، فيكون المعنى: بل قلوبهم في غمرة من الكتاب الذي ينطق بالحقّ وأعماُلهم مُحْصَاةٌ فيه. فخرج في المشار إِليه ب «هذا» ثلاثة أقوال: أحدها: القرآن. والثاني: أعمال البِرِّ. والثالث: اللوح المحفوظ.
قوله تعالى: وَلَهُمْ أَعْمالٌ مِنْ دُونِ ذلِكَ فيه أربعة أقوال: أحدها: أعمال سيِّئة دون الشِّرك، رواه عكرمة عن ابن عباس: والثاني: خطايا من دون ذلك الحق، قاله مجاهد. وقال ابن جرير: من دون أعمال المؤمنين وأهل التقوى والخشية. والثالث: أعمالٌ غير الأعمال التي ذُكِروا بها سيعملونها، قاله الزجاج. والرابع: أعمال- من قبل الحين الذي قدَّر الله تعالى أنه يعذِّبهم عند مجيئه- من المعاصي، قاله أبو سليمان الدمشقي. قوله تعالى: هُمْ لَها عامِلُونَ إِخبار بما سيعملونه من أعمالهم الخبيثة التي كُتبت عليهم لا بدَّ لهم من عملها.
قوله تعالى: حَتَّى إِذا أَخَذْنا مُتْرَفِيهِمْ أي: أغنياءهم ورؤساءهم، والإِشارة إِلى قريش. وفي المراد «بالعذاب» قولان: أحدهما: ضرب السيوف يوم بدر، قاله ابن عباس، ومجاهد، والضحاك. والثاني:
الجوع الذي عُذِّبوا به سبع سنين، قاله ابن السّائب. ويَجْأَرُونَ بمعنى: يصيحون. لا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ أي: لا تستغيثوا من العذاب إِنَّكُمْ مِنَّا لا تُنْصَرُونَ أي: لا تُمْنَعون من عذابنا. قَدْ كانَتْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ يعني: القرآن فَكُنْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ تَنْكِصُونَ أي: ترجعون وتتأخَّرون عن الإِيمان بها، مُسْتَكْبِرِينَ منصوب على الحال. وقوله: بِهِ الكناية عن البيت الحرام، وهي كناية عن غير مذكور والمعنى: إِنكم تستكبرون وتفتخرون بالبيت والحرم، لأمنكم فيه مع خوف سائر الناس في