للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأصحابه في شعره، وهذا مذهب الزهري.

قال الزجّاج: ومعنى لَتُبْلَوُنَّ: لتخبرنّ، أي: توقع عليكم المحن، فيعلم المؤمن حقاً من غيره. و «النون» دخلت مؤكدة مع لام القسم، وضمت الواو لسكونها وسكون النون.

وفي البلوى في الأموال قولان: أحدهما: ذهابها ونقصانها. والثاني: ما فرض فيها من الحقوق.

وفي البلوى في الأنفس أربعة أقوال: أحدها: المصائب، والقتل. والثاني: ما فرض من العبادات.

والثالث: الأمراض. والرابع: المصيبة بالأقارب، والعشائر.

وقال عطاء: هم المهاجرون أخذ المشركون أموالهم، وباعوا رباعهم، وعذبوهم.

قوله تعالى: وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ قال ابن عباس: هم اليهود والنصارى، والَّذِينَ أَشْرَكُوا: مشركو العرب وَإِنْ تَصْبِرُوا على الأذى وَتَتَّقُوا الله بمجانبة معاصيه. قوله تعالى: فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ أي: ما يعزم عليه، لظهور رشده.

فصل: والجمهور على إحكام هذه الآية، وقد ذهب قوم إلى أن الصبر المذكور منسوخ بآية السّيف.

[[سورة آل عمران (٣) : آية ١٨٧]]

وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ (١٨٧)

قوله تعالى: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ فيهم ثلاثة أقوال: أحدها: أنهم اليهود، قاله ابن عباس، وابن جبير، والسدي، ومقاتل. فعلى هذا، الكتاب: التوراة. والثاني: أنهم اليهود والنصارى، والكتاب: التوراة والإنجيل. والثالث: أنهم جميع العلماء فيكون الكتاب اسم جنس.

قوله تعالى: لَتُبَيِّنُنَّهُ. قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وأبو بكر، والمفضل عن عاصم، وزيد عن يعقوب (ليبيننه للناس ولا يكتمونه) بالياء فيهما، وقرأ الباقون، وحفص عن عاصم بالتاء فيهما. وفي هاء الكناية في «لتبيننه» و «تكتمونه» قولان: أحدهما: أنها ترجع إلى النبيّ محمّد صلّى الله عليه وسلّم، وهذا قول من قال:

هم اليهود. والثاني: أنها ترجع إلى الكتاب، قاله الحسن، وقتادة، وهو أصح، لأن الكتاب أقرب المذكورين، ولأن من ضرورة تبيينهم ما فيه إظهار صفة محمّد صلّى الله عليه وسلّم، وهذا قول من ذهب إلى أنه عام في كل كتاب. وقال علي بن أبي طالب عليه السلام: ما أخذ الله على أهل الجهل أن يتعلموا حتى أخذ على أهل العلم أن يعلّموا «١» .


(١) قال ابن كثير رحمه الله في «تفسيره» ١/ ٤٣٦ (آل عمران: ١٨٧) : هذا توبيخ من الله وتهديد لأهل الكتاب الذين أخذ الله عليهم العهد على ألسنة الأنبياء أن يؤمنوا بمحمد صلّى الله عليه وسلّم، وأن ينوهوا بذكره في الناس فيكونوا على أهبة من أمره، فإذا أرسله الله تابعوه، فكتموا ذلك وتعوضوا عما وعدوا عليه من الخير في الدنيا والآخرة بالدون الطفيف، والحظ الدنيوي السخيف، فبئست الصفقة صفقتهم، وبئست البيعة بيعتهم، وفي هذا تحذير للعلماء أن يسلكوا مسلكهم فيصيبهم ما أصابهم، ويسلك بهم مسلكهم، فعلى العلماء أن يبذلوا ما بأيديهم من العلم النافع، الدال على العمل الصالح، ولا يكتموا منه شيئا فقد ورد في الحديث عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار» .

<<  <  ج: ص:  >  >>