بالنون. وقرأ حمزة، والكسائي «تسقى» بالتاء أيضاً، لكنهما أمالا القاف. وقرأ الحسن «ويفضِّل» بالياء.
وقرأ عاصم، وابن عامر «يُسقى» بالياء، «ونفضِّل» بالنون، وكلُّهم كسر الضاد. وروى الحلبي عن عبد الوارث ضمَّ الياء من «يُفضَّل» وفتح الضاد، «بعضُها» برفع الضاد. وقال الفراء: من قرأ «تُسقى» بالتاء ذهب إِلى تأنيث الزرع، والجنَّات، والنخيل «١» ، ومن كسر ذهب إِلى النبت، وذلك كلُّه يُسقى بماءٍ واحد، وأُكْلُه مختلف حامِض وحُلو، ففي هذا آية. قال المفسرون: الماء الواحد: ماء المطر، والأُكُل:
الثمر، بعضه أكبر من بعض، وبعضه أفضل من بعض، وبعضه حامض وبعضه حلو، إِلى غير ذلك، وفي هذا دليل على بطلان قول الطبائعيين، لأنه لو كان حدوث الثّمر من طبع الأرض، والهواء، والماء، وجب أن يتفق ما يحدث لاتفاق ما أوجب الحدوث، فلما وقع الاختلاف، دلَّ على مدبِّرٍ قادر، إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ أنه لا تجوز العبادة إِلا لمن يقدر على هذا.
[[سورة الرعد (١٣) : آية ٥]]
وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذا كُنَّا تُراباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولئِكَ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٥)
قوله تعالى: وَإِنْ تَعْجَبْ أي: من تكذيبهم وعبادتهم ما لا ينفع ولا يضرّ بعد ما رأوا من تأثير قدرة الله عزّ وجلّ في خلق الأشياء، فإنكارهم البعث موضعُ عجب. وقيل: المعنى: وإِن تعجب بما وقفت عليه من القِطَع المتجاورات وقدرةِ ربك في ذلك، فعجب جحدهم البعث، لأنه قد بان لهم من خلق السّماوات والأرض ما يدل على أن البعث أسهل في القدرة.
قوله تعالى: أَإِذا كُنَّا تُراباً قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، «آيذا كنا تراباً آينَّا» جميعاً بالاستفهام، غير أن أبا عمرو يمدُّ الهمزة ثم يأتي بالياء ساكنة، وابن كثير يأتي بياء ساكنة بعد الهمزة من غير مدٍّ.
وقرأ نافع «آيذا» مثل أبي عمرو، واختُلف عنه في المَدِّ، وقرأ «إِنا لفي خلق» مكسورة على الخبر. وقرأ عاصم، وحمزة «أإذا كُنَّا» «أإِنا» بهمزتين فيهما. وقرأ ابن عامر «إِذا كُنَّا تراباً» مكسورة الألِف من غير استفهام، «ءاإنا» يهمز ثم يَمُدُّ ثم يهمز على وزن: فاعنّا. وروي عن ابن عامر أيضاً «أإِذا» بهمزتين لا ألِف بينهما.
والأغلال جمع غُلٍّ، وفيها قولان: أحدهما: أنها أغلال يوم القيامة، قاله الأكثرون. والثاني: أنها الأعمال التي هي أغلال، قاله الزّجّاج.
(١) قال الإمام الطبري ٧/ ٣٣٧: وأعجب القراءتين إليّ أن أقرأ بها، قراءة من قرأ بالتاء على أن معناه: تسقى الجنات والنخل والزرع بماء واحد، لمجيء «تسقى» بعد ما قد جرى ذكرها، وهي جماع من غير بني آدم، وليس الوجه الآخر بممتنع على معنى: يسقى ذلك بماء واحد. وفي قراءة «نفضل» : هما قراءتان مستفيضتان بمعنى واحد، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب، غير أن الياء أعجبهما إليّ في القراءة، لأنه في سياق الكلام ابتداؤه: اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ فقراءته بالياء، إذ كان كذلك أولى.