قوله تعالى: أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ هذا جواب لقولهم: «نَتربَّص به ريْبَ المَنون» والمعنى: أعندهم الغيب؟ وفيه قولان: أحدهما: أنه اللوح المحفوظ، فَهُمْ يَكْتُبُونَ ما فيه ويخبِرون الناس. قاله ابن عباس. والثاني: أعندهم عِلْم الغيب فيَعلمون أنّ محمّدا يموت قبلهم فَهُمْ يَكْتُبُونَ أي، يحكُمون فيقولون: سَنقْهَرُك. والكتاب: الحكم.
(١٣٥١) ومنه قول النبيّ صلّى الله عليه وسلم: «سأقضي بينكما بكتاب الله» أي: بحُكم الله عزّ وجلّ وإلى هذا المعنى ذهب ابن قتيبة.
قوله تعالى: أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً وهو ما كانوا عزموا عليه في دار النَّدوة وقد شرحنا ذلك في قوله: وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا «١» ومعنى هُمُ الْمَكِيدُونَ هم المجزيّون بكيدهم، ولأنّ ضرر ذلك عاد عليهم فقُتلوا ببدر وغيرها. أَمْ لَهُمْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ أي ألَهُم إله يرزقهم ويحفظهم غيرُ الله؟ والمعنى أن الأصنام ليست بآلهة لأنها لا تنفع ولا تدفع. ثم نزَّه نَفْسه عن شرِكهم بباقي الآية.
[سورة الطور (٥٢) : الآيات ٤٤ الى ٤٩]
وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ ساقِطاً يَقُولُوا سَحابٌ مَرْكُومٌ (٤٤) فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ (٤٥) يَوْمَ لا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (٤٦) وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذاباً دُونَ ذلِكَ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٤٧) وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (٤٨)
وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبارَ النُّجُومِ (٤٩)
ثم ذكر عنادهم فقال: وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ ساقِطاً والمعنى: لو سقط بعضُ السماء عليهم، لَمَا انتهوا عن كفرهم، ولَقالوا: هذه قطعة من السّحاب قد ركم بعضُه على بعض. فَذَرْهُمْ أي خَلِّ عنهم حَتَّى يُلاقُوا قرأ أبو جعفر «يَلْقَوا» بفتح الياء والقاف وسكون اللام من غير ألف يَوْمَهُمُ وفيه ثلاثة أقوال: أحدها: أنه يوم موتهم. والثاني: يوم القيامة. والثالث: يوم النَّفخة الأولى. قوله تعالى:
يُصْعَقُونَ قرأ عاصم، وابن عامر: «يُصْعَقُون» برفع الياء، من أصعَقَهم غيرُهم، والباقون بفتحها، من صعقوا هم. وفي قوله: يُصْعَقُونَ قولان: أحدهما: يموتون. والثاني: يغشى عليهم، كقوله: وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً «٢» ، وهذا يخرج على قول من قال: هو يوم القيامة، فإنهم يُغْشى عليهم من الأهوال.
وذكر المفسرون أن هذه الآية منسوخة بآية السيف، ولا يصح، لأن معنى الآية الوعيد. قوله تعالى:
يَوْمَ لا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً هذا اليوم الأول: والمعنى: لا ينفعهم مكرهم، ولا يدفع عنهم العذاب وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ أي: يُمْنعون من العذاب: قوله تعالى: وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا أي: أشركوا عَذاباً دُونَ ذلِكَ أي: قبْل ذلك اليوم وفيه أربعة أقوال «٣» : أحدها: أنه عذاب القبر، قاله البراء، وابن عباس.
صحيح. أخرجه البخاري ٢٧٢٤ و ٦٦٣٣ ومسلم ١٦٩٧ ومالك ٢/ ٨٨٢ من حديث أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني في أثناء خبر العسيف. وتقدم في سورة النساء والنور.