للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النار في الدنيا إلّا مذكّرة بنار الآخرة كَلَّا أي: حقاً وَالْقَمَرِ (٣٢) وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر، والكسائي، وأبو بكر عن عاصم «إذا أدبر» وقرأ نافع، وحمزة، وحفص، والفضل عن عاصم، ويعقوب وخلف، «إذ» بسكون الذال من غير ألف بعدها «أدبر» بسكون الدال، وبهمزة قبلها.

وهل معنى القراءتين واحد، أم لا؟ فيه قولان «١» : أحدهما: أنهما لغتان بمعنى واحد. يقال: دبر الليل، وأدبر، ودبر الصيف وأدبر، هذا قول الفراء. والأخفش، وثعلب. والثاني: أن «دبر» بمعنى خلف، و «أدبر» بمعنى وَّلى. يقال: دبرني فلان: جاء خلفي، وإلى هذا المعنى ذهب أبو عبيدة وابن قتيبة.

قوله عزّ وجلّ: إِذا أَسْفَرَ أي: أضاء وتبيَّن إِنَّها يعني: سقر لَإِحْدَى الْكُبَرِ قال ابن قتيبة:

الكُبَر، جمع كبرى، مثل الأُوَل والأُولى، والصُّغَر والصُّغْرى. وهذا كما يقال: إنها لإحدى العظائم.

قال الحسن: والله ما أنذر الله بشيء أدهى منها.

وقال ابن السائب، ومقاتل: أراد بالكُبَر: دركات جهنّم السبعة.

قوله عزّ وجلّ: نَذِيراً لِلْبَشَرِ قال الزجاج: نصب «نذيراً» على الحال. والمعنى: إِنها لكبيرة في حال الإنذار. وذَكَّر «النذير» ، لأن معناه معنى العذاب. ويجوز أن يكون «نذيراً» منصوباً متعلقاً بأول السورة، على معنى: قم نذيرا للبشر.

قوله عزّ وجلّ: لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ بدل من قوله عزّ وجلّ: «للبشر» ، أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ فيه أربعة أقوال: أحدها: أن يتقدَّم في طاعة الله أو يتأخَّر عن معصيته، قاله ابن جريج. والثاني: أن يتقدَّم إلى النار، أو يتأخَّر عن الجنة، قاله السدي. والثالث: أن يتقدَّم في الخير، أو يتأخر إلى الشر، قاله يحيى بن سلام. والرابع: أن يتقدَّم في الإيمان، أو يتأخَّر عنه. والمعنى: أن الإِنذار قد حصل لكل أحد ممن أقر أو كفر.

[سورة المدثر (٧٤) : الآيات ٣٨ الى ٥٦]

كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (٣٨) إِلاَّ أَصْحابَ الْيَمِينِ (٣٩) فِي جَنَّاتٍ يَتَساءَلُونَ (٤٠) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (٤١) ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (٤٢)

قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (٤٣) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (٤٤) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ (٤٥) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (٤٦) حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ (٤٧)

فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ (٤٨) فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (٤٩) كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (٥٠) فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ (٥١) بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً (٥٢)

كَلاَّ بَلْ لا يَخافُونَ الْآخِرَةَ (٥٣) كَلاَّ إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ (٥٤) فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ (٥٥) وَما يَذْكُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ (٥٦)

قوله عزّ وجلّ: كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ فيه ثلاثة أقوال: أحدها: كل نفس بالغةٍ مُرتَهنةٌ بعملها لتُحاسَب عليه إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ وهم أطفال المسلمين، فإنه لا حساب عليهم، لأنه لا ذنوب عليهم، قاله عليّ رضي الله عنه واختاره الفراء. والثاني: كل نفس من أهل النار مرتهنة في النار، إلّا أصحاب


(١) قال الطبري رحمه الله في «تفسيره» ١٢/ ٣١٥: والصواب من القول في ذلك عندي أنهما لغتان بمعنى، وذلك أنه محكي عن العرب، قبح الله ما قبل وأبر، ودبر الصيف وأدبر، وكذلك قبل وأقبل، وأخرى أن أهل التفسير لم يميزوا في تفسيرهم بين القراءتين وذلك دليل على أنهم فعلوا ذلك كذلك، لأنهما بمعنى واحد. [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>