ولذلك قال: بِما كَسَبُوا أي: من الذُّنوب وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ من ذنوبهم، فيُنجيهم من الهلاك.
وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجادِلُونَ قرأ نافع، وابن عامر: «وَيَعْلَمَ» بالرفع على الاستئناف وقطعه من الأول: وقرأ الباقون بالنصب، قال الفراء: هو مردود على الجزم إِلاّ أنه صُرف، والجزم إِذا صُرف عنه معطوفه نُصب. وللمفسرين في معنى الآية قولان: أحدهما: ويعلم الذين يخاصِمون في آيات الله حين يؤخَذون بالغرق أنه لا ملجأَ لهم. والثاني: أنهم يعلمون بعد البعث أنه لا مهرب لهم من العذاب. قوله تعالى:
فَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ أي: ما أُعطيتم من الدنيا فهو متاع تتمتَّعون به، ثم يزول سريعاً، وَما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقى لِلَّذِينَ آمَنُوا لا للكافرين، لأنه إنما أعدّ لهم في الآخرة العذاب.
[سورة الشورى (٤٢) : الآيات ٣٧ الى ٤٣]
وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (٣٧) وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٣٨) وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (٣٩) وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (٤٠) وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (٤١)
إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٤٢) وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (٤٣)
قوله تعالى: وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وقرأ حمزة، والكسائي: «كبيرَ الإِثم» على التوحيد من غير ألف، والباقون بألف. وقد شرحنا الكبائر في سورة النساء «١» . وفي المراد بالفواحش هاهنا قولان:
أحدهما: الزنا. والثاني: موجبات الحدود.
قوله تعالى: وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ أي: يَعْفُون عمَّن ظَلَمهم طلباً لثواب الله تعالى. وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ أي: أجابوه فيما دعاهم إليه. وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ قال ابن قتيبة: أي يتشاورون فيه بينهم، وقال الزجاج: المعنى أنهم لا ينفردون برأي حتى يجتمعوا عليه.
قوله تعالى: وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ اختلفوا في هذا البَغْي على ثلاثة أقوال: أحدها: أنه بَغْيُ الكفار على المسلمين، قال عطاء: هم المؤمنون الذين أخرجهم الكفار من مكة وبَغَوْا عليهم، ثم مَكنَّهم الله منهم فانتصروا. وقال زيد بن أسلم: كان أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فرقتين بمكة، فرقة كانت تُؤذَى فتَعفو عن المشركين، وفرقة كانت تُؤذَى فتنتصر، فأثنى اللهُ عزّ وجلّ عليهم جميعاً، فقال في الذين لم ينتصروا: وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ، وقال في المنتصرين: وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ أي: من المشركين. وقال ابن زيد: ذكر المهاجرين، وكانوا صنفين، صنفاً عفا، وصنفاً انتصر، فقال:
وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ، فبدأ بهم، وقال في المنتصرين: وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ أي: من المشركين وقال: وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ إلى قوله: «يُنْفِقُونَ» وهم الأنصار: ثم ذكر الصِّنف الثالث فقال: وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ من المشركين. والثاني: أنه بَغْيُ المسلمين على المسلمين خاصة. والثالث: أنه عامّ في جميع البُغاة، سواء كانوا مسلمين أو كافرين.
[فصل:]
واختلف في هذه الآية علماء الناسخ والمنسوخ، فذهب بعض القائلين بأنها في المشركين
(١) النساء: ٣١.