أي: إِن تدفنوا الداء لا نُظهره. قال: وهذه القراءة أَبْيَن في المعنى، لأن معنى «أكاد أُظهرها» قد أخفيتُها وكدت أُظهرها. لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى أي: بما تعمل. ولِتُجْزى متعلق بقوله:«إِن الساعة آتية» لتجزى، ويجوز أن يكون على «أقم الصلاة لذكري» لتجزى.
قوله تعالى: فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْها أي: عن الإِيمان بها مَنْ لا يُؤْمِنُ بِها أي: من لا يؤمن بكونها والخطاب للنبيّ صلى الله عليه وسلّم خطاب لجميع أُمَّته، وَاتَّبَعَ هَواهُ أي: مُراده وخالف أمر الله عزّ وجلّ، فَتَرْدى أي: فتَهلِك قال الزجاج: يقال: رَدِي يردى ردى: إذا هلك.
قوله تعالى: وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ قال الزجاج: «تلك» اسم مبهم يجري مجرى «التي» ، والمعنى: ما التي بيمينك؟ قوله تعالى: أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها التّوكّؤ: التّحامل على الشيء اليابس وَأَهُشُّ بِها قال الفراء: أضرب بها الشجر اليابس ليسقط ورقه فترعاه غنمي، قال الزجاج: واشتقاقه من أنّي أُحيل الشيء إِلى الهشاشة والإِمكان. والمآرب: الحاجات، واحدها: مَأْرُبَة، ومَأْرَبَة، وروى قتيبة، وورش:«مآرب» بامالة الهمزة. فإن قيل: ما الفائدة في سؤال الله تعالى له: وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ وهو يعلم؟ فعنه جوابان: أحدهما: أن لفظه لفظ الاستفهام، ومجراه مجرى السؤال، يجيب المخاطَب بالإِقرار به، فتثبت عليه الحجة باعترافه فلا يمكنه الجحد، ومثله في الكلام أن تقول لمن تخاطبه وعندك ماء: ما هذا؟ فيقول: ماءٌ، فتضع عليه شيئاً من الصبغ، فإن قال: لم يزل هكذا، قلت له: ألست قد اعترفت بأنه ماء؟ فتثبت عليه الحجة، هذا قول الزجاج. فعلى هذا تكون الفائدة أنه قرَّر موسى أنها عصاً لمّا أراد أن يريَه من قدرته في انقلابها حيَّة، فوقع المُعْجِز بها بعد التثبت في أمرها. والثاني: أنه لما اطَّلع الله تعالى على ما في قلب موسى من الهيبة والإِجلال حين التكليم، أراد أن يؤانسه ويخفف عنه ثِقَل ما كان فيه من الخوف، فأجرى هذا الكلام للاستئناس، حكاه أبو سليمان الدمشقي. فإن قيل: قد كان يكفي في الجواب أن يقول: «هي عصاي» فما الفائدة في قوله: «أتوكَّأُ عليها» إِلى آخر الكلام، وإِنما يُشرح هذا لمن لا يعلم فوائدها؟ فعنه ثلاثة أجوبة: أحدها: أنه أجاب بقوله: «هي عصاي» فقيل له: ما تصنع بها؟ فذكر باقي الكلام جواباً عن سؤال ثانٍ، قاله ابن عباس، ووهب. والثاني: أنه إِنما أظهر فوائدها، وبيَّن حاجته إِليها، خوفاً من أن يأمره بإلقائها كالنّعلين، قاله سعيد بن جبير. والثالث: أنه بيَّن منافعها لئلا يكون عابثاً بحملها، قاله الماوردي. فإن قيل: فلم اقتصر على ذِكْر بعض منافعها ولم يُطِل الشرح؟ فعنه ثلاثة أجوبة: أحدها: أنه كره أن يشتغل عن كلام الله بتعداد منافعها. والثاني: أنه استغنى بعلم الله فيها عن كثرة التعداد. والثالث: أنه اقتصر على اللازم دون العارض. وقيل: كانت تضيء له بالليل، وتدفع عنه الهوام، وتثمر له إِذا اشتهى الثمار. وفي جنسها قولان: أحدهما: أنها كانت من آس الجنة، قاله ابن عباس. والثاني: أنها كانت من عوسج.