كان مستطيلاً يشبه المكوك. والثاني: أنه كان يشبه الطاس. قوله تعالى: وَلِمَنْ جاءَ بِهِ يعني الصواع حِمْلُ بَعِيرٍ من الطعام وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ أي: كفيل لمن ردَّه بالحِمل، يقوله المؤذّن.
[سورة يوسف (١٢) : الآيات ٧٣ الى ٧٥]
قالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ ما جِئْنا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَما كُنَّا سارِقِينَ (٧٣) قالُوا فَما جَزاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كاذِبِينَ (٧٤) قالُوا جَزاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزاؤُهُ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (٧٥)
قوله تعالى: قالُوا تَاللَّهِ قال الزجاج: «تالله» بمعنى: والله، إِلا أن التاء لا يقسم بها إلّا في الله عزّ وجلّ. ولا يجوز: تالرحمن لأفعلن، ولا: تربي لأفعلن. والتاء تُبدل من الواو، كما قالوا في وُراث: تراث، وقالوا: يتَّزن، وأصله: يوتزن، من الوزن. قال ابن الأنباري: أبدلت التاء من الواو، كما أبدلت في التخمة والتراث والتُجاه، وأصلهنّ من الوخمة والوارث والوجاه، لأنهنّ من الوخامة والوارثة والوَجه. ولا تقول العرب: تالرحمن، كما قالوا: تالله، لأن الاستعمال في الإِقسام كثر بالله، ولم يكن بالرحمن، فجاءت التاء بدلاً من الواو في الموضع الذي يكثر استعماله.
قوله تعالى: لَقَدْ عَلِمْتُمْ يعنون يوسف ما جِئْنا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ أي: لنظلم أحداً أو نسرق. فإن قيل: كيف حلفوا على عِلم قوم لا يعرفونهم؟ فالجواب من ثلاثة أوجه:
أحدها: أنهم قالوا ذلك، لأنهم ردّوا الدراهم ولم يستحلُّوها، فالمعنى: لقد علمتم أنا رددنا عليكم دراهمكم وهي أكثر من ثمن الصاع، فكيف نستحل صاعكم، رواه الضحاك عن ابن عباس، وبه قال مقاتل. والثاني: لأنهم لما دخلوا مصر كعموا «١» أفواه إِبلهم وحميرهم حتى لا تتناول شيئاً، وكان غيرهم لا يفعل ذلك، رواه أبو صالح عن ابن عباس. والثالث: أن أهل مصر كانوا قد عرفوهم أنهم لا يظلمون أحداً.
قوله تعالى: فَما جَزاؤُهُ المعنى: قال المنادي وأصحابه: فما جزاؤه. قال الأخفش: إِن شئت رددت الكناية إِلى السارق، وإِن شئت رددتها إِلى السرق. قوله تعالى: إِنْ كُنْتُمْ كاذِبِينَ أي: في قولكم، وَما كُنَّا سارِقِينَ. قالُوا يعني: إِخوة يوسف جَزاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزاؤُهُ أي:
يُستعبَد بذلك. قال ابن عباس: وهذه كانت سنّة آل يعقوب.
[[سورة يوسف (١٢) : آية ٧٦]]
فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَها مِنْ وِعاءِ أَخِيهِ كَذلِكَ كِدْنا لِيُوسُفَ ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (٧٦)
قوله تعالى: فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قال المفسرون: انصرف بهم المؤذن إِلى يوسف، وقال: لا بد من تفتيش أمتعتكم، فَبَدَأَ يوسف بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعاءِ أَخِيهِ لإِزالة التهمة، فلما وصل إِلى وعاء أخيه، قال: ما أظن هذا أخذ شيئاً، فقالوا: والله لا نبرح حتى تنظر في رحله، فهو أطيب لنفسك. فلما فتحوا متاعه وجدوا الصّاع، فذلك قوله: ثُمَّ اسْتَخْرَجَها. وفي هاء الكناية ثلاثة أقوال: أحدها: أنها ترجع إِلى السرقة، قاله الفراء. والثاني: إِلى السقاية، قاله الزجاج. والثالث: إلى الصّواع على لغة من
(١) كعم البعير يكعمه كعما فهو مكعوم وكعيم: شدّ فاه، وقيل: شدّ فاه في هياجه لئلا يعض أو يأكل. [.....]