للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رعدة، قال مقاتل: تفرق الماء يميناً وشمالاً كالجبلين المتقابلين، وفيهما كوىً ينظر كل سبط إلى الآخر. قال السدي: فلما رآه فرعون متفرقاً قال: ألا ترون البحر فرق مني، فانفتح لي؟! فأتت خيل فرعون فأبت أن تقتحم، فنزل جبريل على ماذيانة فتشامت الحصن «١» ريح الماذيانة، فاقتحمت في إثرها، حتى إِذا همَّ أولهم أن يخرج، ودخل آخرهم، أمر البحر أن يأخذهم، فالتطم عليهم.

[[سورة البقرة (٢) : آية ٥١]]

وَإِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ (٥١)

قوله تعالى: وَإِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ. قرأ أبو جعفر وأبو عرو: «وعدنا» بغير ألف هاهنا، وفي (الأعراف) و (طه) ، ووافقهما أبان عن عاصم في (البقرة) خاصة. وقرأ الباقون «واعدنا» بألف. ووجه القراءة الأولى: إفراد الوعد من الله تعالى، ووجه الثانية: أنه لما قبل موسى وعد الله عزّ وجلّ، صار ذلك مواعدة بين الله تعالى وبين موسى. ومثله: لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا «٢» . ومعنى الآية: وعدنا موسى تتمة أربعين يوما أو انقضاء أربعين ليلة. وموسى: اسم أعجمي، أصله بالعبرانية: موشا، فمو: هو الماء، وشا: هو الشجر، لأنه وجد عند الماء والشجر، فعرب بالسين. ولماذا كان هذا الوعد؟ فيه قولان: أحدهما: لأخذ التوراة. والثاني: للتكليم. وفي هذه المدة قولان: أحدهما: أنها ذو القعدة وعشر من ذي الحجة! وهذا قول من قال: كان الوعد لإعطاء التوراة. والثاني: أنها ذو الحجة وعشر من المحرم، وهو قول من قال: كان الوعد للتكليم. وإنما ذكرت الليالي دون الأيام، لأن عادة العرب التأريخ بالليالي، لأن أول الشهر ليله، واعتماد العرب على الأهلة، فصارت الأيام تبعا لليالي. وقال أبو بكر النقاش «٣» : إنما ذكر الليالي، لأنه أمره أن يصوم هذه الأيام ويواصلها بالليالي، فلذلك ذكر الليالي، وليس بشيء.

[[سورة البقرة (٢) : آية ٥٢]]

ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٥٢)

قوله تعالى: ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ، من بعده، أي: من بعد انطلاقه إلى الجبل.

(الإشارة إِلى اتخاذهم العجل) روى السدي عن أشياخه أنه لما انطلق موسى، واستخلف هارون، قال هارون: يا بني إسرائيل! إِن الغنيمة لا تحل لكم، وإِن حليّ القبط غنيمة فاجمعوه واحفروا له حفيرة «٤» ، فادفنوه، فان أحلّه


(١) الماذيانة: الفرس. والحصن: جمع حصان.
(٢) البقرة: ٢٣٥.
(٣) هو أبو بكر محمد بن الحسن بن محمد بن زياد الموصلي، ثم البغدادي، أبو بكر النقاش المقرئ المفسّر.
روى عن أبي مسلم الكجي، وطبقته، وقرأ بالروايات، ورحل إلى عدة مدائن، وتعب واحتيج إليه، وصار شيخ المقرئين في عصره على ضعف فيه. قال طلحة بن محمد الشاهد: كان النقاش يكذب في الحديث، والغالب عليه القصص. وقال البرقاني: كل حديث النقاش منكر. قال أبو القاسم اللالكائي: تفسير النقاش إشقاء الصدور، وليس بشفاء. الصدور توفي النقاش ٣٥١. وانظر «الميزان» للذهبي ٧٤٠٤.
(٤) في «اللسان» الحفيرة والحفر والحفير: البئر الموسعة فوق قدرها.

<<  <  ج: ص:  >  >>