للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البشارة به في كتب الأنبياء. والثاني: لمشاكلة حاله لأحوالهم، فيكون أقرب إلى موافقتهم. والثالث:

لئلا يظن به أنه يعلم كتب من قبله. وما بعد هذا في سورة البقرة «١» إلى قوله عزّ وجلّ: وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ، أي: وما كانوا قبل بعثه إلا في ضَلالٍ مُبِينٍ بَيِّن، وهو الشرك.

قوله عزّ وجلّ: وَآخَرِينَ مِنْهُمْ فيه قولان: أحدهما: وبعث محمداً في آخرين منهم، أي: من الأميين. والثاني: ويعلم آخرين منهم، ويزكِّيهم.

وفي المراد بالآخرين أربعة أقوال: أحدها: أنهم العجم، قاله ابن عمر، وسعيد بن جبير، وهي رواية ليث عن مجاهد. فعلى هذا إِنما قال: «منهم» ، لأنهم إِذا أسلموا صاروا منهم، إذ المسلمون يد واحدة، وملَّةٌ واحدة. والثاني: أنهم التابعون، قاله عكرمة، ومقاتل. والثالث: جميع من دخل في الإسلام إِلى يوم القيامة، قاله ابن زيد، وهي رواية ابن أبي نجيح عن مجاهد. والرابع: أنهم الأطفال، حكاه الماوردي.

قوله عزّ وجلّ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ: أي: لم يلحقوا بهم.

قوله عزّ وجلّ: ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يعني: الإسلام والهدى وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ بإرسال محمّد صلّى الله عليه وسلم.

[سورة الجمعة (٦٢) : الآيات ٥ الى ٨]

مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٥) قُلْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٦) وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (٧) قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٨)

ثم ضرب لليهود الذين تركوا العمل بالتوراة مثلا، فقال عزّ وجلّ: مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ أي: كُلِّفوا العمل بما فيها ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها أي: لم يعملوا بموجبها، ولم يؤدُّوا حقها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً وهي جمع سفر. والسِّفْر: الكتاب، فشبَّههم بالحمار لا يعقل ما يحمل، إذ لم ينتفعوا بما في التّوراة، وهي دالّة على الإيمان بمحمّد صلّى الله عليه وسلم وهذا المثل يلحق من لم يعمل بالقرآن ولم يفهم معانيه بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ ذم مثلهم، والمراد ذمُّهم، واليهود كذبوا بالقرآن وبالتوراة حين لم يؤمنوا بمحمد وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ أنفسهم بتكذيب الأنبياء.

قوله عزّ وجلّ: إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ وذلك أن اليهود، قالوا: نحن ولد إسرائيل الله، ابن ذبيح الله، ابن خليل الله، ونحن أولى بالله عزّ وجلّ من سائر الناس، وإِنما تكون النبوة فينا. فقال الله عزّ وجلّ لنبيّه عليه الصلاة والسلام: قُلْ لهم إن كنتم أَوْلِياءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ لأن الآخرة خير لأولياء الله من الدنيا. وقد بيَّنا هذا وما بعده في البقرة «٢» إلى قوله عزّ وجلّ: قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ وذلك أنّ اليهود علموا أنهم قد أفسدوا على أنفسهم أمر الآخرة بتكذيبهم محمداً،


(١) البقرة: ١٢٩.
(٢) البقرة: ٩٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>