للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جعلهم في حِلّ، وسأل الله المغفرة لهم.

وقال السدي: لما عرّفهم نفسه، سألهم عن أبيه، فقالوا: ذهبت عيناه، فأعطاهم قميصَه، وقال:

اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هذا فَأَلْقُوهُ عَلى وَجْهِ أَبِي وهذا القميص كان في قصبة من فضة معلَّقاً في عنق يوسف لما أُلقي في الجب، وكان من الجنة، وقد سبق ذكره.

قوله تعالى: يَأْتِ بَصِيراً قال أبو عبيدة: يعود مبصراً.

فان قيل: من أين قطع على الغيب؟ فالجواب: أن ذلك كان بالوحي إليه، قاله مجاهد.

قوله تعالى: وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ قال الكلبي: كان أهله نحواً من سبعين إنسانا.

[[سورة يوسف (١٢) : آية ٩٤]]

وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلا أَنْ تُفَنِّدُونِ (٩٤)

قوله تعالى: وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ أي: خرجت من مصر متوجهة إِلى كنعان. وكان الذي حمل القميص يهوذا. قال السدي: قال يهوذا ليوسف: أنا الذي حملت القميص إِلى يعقوب بدم كذب فأحزنتُه، وأنا الآن أحمل قميصك لأسرَّه، فحمله، قال ابن عباس: فخرج حافياً حاسراً يعدو، ومعه سبعة أرغفة لم يستوف أكلها. قوله تعالى: قالَ أَبُوهُمْ يعني يعقوب لمن حضره من أهله وقرابته وولد ولده إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ ومعنى أجد: أشم، قال الشاعر:

وَلَيْسَ صَرِيْرُ النّعش ما تسمعونه ... وَلَكِنَّها أَصْلاَبُ قَوْمٍ تَقَصَّف «١»

وَلَيْسَ فَتِيقُ المِسْكِ ما تجدونه ... وَلَكِنَّه ذَاكَ الثَّنَاءُ المُخلَّفُ

فان قيل: كيف وجد يعقوب ريحه وهو بمصر، ولم يجد ريحه من الجب وبعد خروجه منه، والمسافة هناك أقرب؟ فعنه جوابان:

أحدهما: أن الله أخفى أمر يوسف على يعقوب في بداية الأمر لتقع البلية التي يتكامل بها الأجر، وأوجده ريحه من المكان النازح عند تقضِّي البلاء ومجيء الفرج.

والثاني: أن هذا القميص كان في قصبة من فضة معلقا في عنق يوسف على ما سبق بيانه، فلما نشره فاحت روائح الجنان في الدنيا فاتصلت بيعقوب، فعلم أن الرائحة من جهة ذلك القميص. قال مجاهد: هبت ريح فضربت القميص، ففاحت روائح الجنة في الدنيا واتصلت بيعقوب فوجد ريح الجنة، فعلم أنه ليس في الدنيا من ريح الجنة إِلا ما كان من ذلك القميص، فمن ثم قال: إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ. وقيل: إِن ريح الصبا استأذنت ربها في أن تأتي يعقوب بريح يوسف قبل البشير فأذن لها، فلذلك يستروح كل محزون إِلى ريح الصبا، ويجد المكروبون لها رَوْحاً، وهي ريح لينة تأتي من ناحية المشرق، قال أبو صخر الهذلي:

إِذا قُلْتُ هَذَا حِينَ أَسْلُو يَهِيْجُني ... نَسِيْمُ الصَّبا مِنْ حَيْثُ يطَّلِعُ الفَجْرُ

قال ابن عباس: وجد ريح قميص يوسف من مسيرة ثمان ليال ثمانين فرسخاً.

قوله تعالى: لَوْلا أَنْ تُفَنِّدُونِ فيه خمسة أقوال: أحدها: تُجهِّلونِ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن


(١) في «اللسان» الأصلاب: جمع صلب وهو الظهر.

<<  <  ج: ص:  >  >>