للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعد هذا مذكور في آل عمران «١» ، إلى قوله: ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ فبين أنه لا يدخل الجنّة أحد إلّا بفضل الله.

[سورة الحديد (٥٧) : الآيات ٢٢ الى ٢٤]

ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (٢٢) لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ (٢٣) الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (٢٤)

قوله عزّ وجلّ: ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ يعني: قحط المطر، وقلة النبات، ونقص الثمار وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ يعني الأمراض، وفقد الأولاد إِلَّا فِي كِتابٍ وهو اللوح المحفوظ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها أن نخلقها، يعني: الأنفس إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ أي: إنّ إثبات ذلك على كثرته هيِّن على الله عزّ وجلّ لِكَيْلا تَأْسَوْا أي: تحزنوا عَلى ما فاتَكُمْ من الدنيا وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ قرأ أبو عمرو- الا اختيار اليزيدي- بالقصر على معنى: جاءكم من الدنيا. وقرأ الباقون بالمدّ على معنى: ما أعطاكم الله منها. وأعلم أنه من علم أن ما قضي لا بدَّ أن يصيبه قبل حُزنه وفرحه. وقد روى قتيبة بن سعيد قال: دخلت بعض أحياء العرب، فإذا بفضاء من الأرض فيه من الإبل ما لا يحصى عدده كلُّها قد مات، فسألت عجوزاً: لمن كانت هذه الإبل؟ فأشارت إلى شيخ على تلٍّ يغزل الصوف، فقلت له: يا شيخ لك كانت هذه الإبل؟ قال: كانت باسمي، قلت: فما أصابها؟ قال: ارتجعها الذي أعطاها، قلت:

فهل قلت في ذلك شيئاً؟ قال: نعم، قلت:

لا والَّذي أَنَا عَبْدٌ في عِبَادَتِهِ ... والمَرْءُ في الدَّهْر نصْبَ الرُّزْءِ والحَزَنَ

ما سَرَّني أَنَّ إبْلي في مَبَارِكِها ... وما جرى في قضاء الله لم يَكُنِ

وما بعد هذا قد ذكرناه في سورة النساء «٢» ، والذي قيل في البخل هناك هو الذي قيل هاهنا إلى قوله: وَمَنْ يَتَوَلَّ أي: عن الإيمان فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ عن عباده الْحَمِيدُ إلى أوليائه. وقد سبق معنى الاسمين في البقرة «٣» . وقرأ نافع وابن عامر «فإن الله الغني الحميد» ليس فيها «هو» وكذلك هو في مصاحف أهل المدينة، والشّام.

[[سورة الحديد (٥٧) : آية ٢٥]]

لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (٢٥)

قوله عزّ وجلّ: لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ أي: بالآيات والحجج وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ ببيان الشرائع، والأحكام. وفي «الميزان» قولان: أحدهما: أنه العدل، قاله ابن عباس، وقتادة.

والثاني: أنه الذي يوزن به، قاله ابن زيد ومقاتل. فعلى القول الأول: يكون المعنى: أمرنا بالعدل.

وعلى الثاني: ووضعنا الميزان، أي: أمرنا به لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ أي: لكي يقوموا بالعدل. قوله عزّ وجلّ: وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فيه قولان: أحدهما: أن الله تعالى أنزل مع آدم السندان، والكلبتين، والمطرقة، قاله ابن عباس. والثاني: أن معنى «أنزلنا» : أنشأنا وخلقنا، كقوله عزّ وجلّ:


(١) آل عمران: ١٨٥.
(٢) النساء: ٣٧.
(٣) البقرة: ٢٦٧. [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>