للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عباس: والثاني: يلتقي فيه الأوَّلون والآخِرون، روي عن ابن عباس أيضاً. والثالث: يلتقي فيه الخلق والخالق، قاله قتادة ومقاتل. والرابع: يلتقي المظلوم والظالم، قاله ميمون بن مهران. والخامس: يلتقي المرءُ بعمله، حكاه الثعلبي.

قوله تعالى: يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ أي: ظاهِرون من قُبورهم لا يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ. فإن قيل:

فهل يَخْفَى عليه منهم اليوم شيء؟. فالجواب: أنْ لا، غير أن معنى الكلام التهديد بالجزاء وللمفسِّرين فيه ثلاثة أقوال: أحدها: لا يَخْفَى عليه ممّا عَمِلوا شيءٌ، قاله ابن عباس. والثاني: لا يَستترونَ منه بجبل ولا مَدَر، قاله قتادة. والثالث: أن المعنى: أَبْرَزهم جميعاً، لأنه لا يَخْفَى عليه منهم شيء، حكاه الماوردي.

قوله تعالى: لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ اتفقوا على أن هذا يقوله الله عزّ وجلّ بعد فَناء الخلائق.

واختلفوا في وقت قوله عزّ وجلّ له على قولين: أحدهما: أنه يقوله عند فَناء الخلائق إِذا لم يبق مجيب.

فيَرُدّ هو على نفسه فيقول: لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ، قاله الأكثرون. والثاني: أنه يقوله يوم القيامة. وفيمن يُجيبه حينئذ قولان: أحدهما: أنه يُجيب نفسه وقد سكت الخلائق لقوله تعالى قاله عطاء. والثاني: أن الخلائق كلَّهم يُجيبونه فيقولون: «للهِ الواحدِ القهارِ» ، قاله ابن جريج.

[سورة غافر (٤٠) : الآيات ١٨ الى ١٩]

وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ كاظِمِينَ ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ (١٨) يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ (١٩)

قوله تعالى: وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ فيه قولان: أحدهما: أنه يومُ القيامة، قاله الجمهور. قال ابن قتيبة: وسميت القيامة بذلك لقُربها، يقال: أَزِفَ شُخوص فلان، أي: قَرُبَ. والثاني: أنه يومُ حُضور المنيَّة، قاله قطرب. قوله تعالى: إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ وذلك أنها ترتقي إِلى الحناجر فلا تخرُج ولا تعود، هذا على القول الأول، وعلى الثاني: القلوب هي النُّفوس تبلغ الحناجرَ عند حضور المنيَّة قال الزّجّاج: وكاظِمِينَ منصوب على الحال، والحال محمولة على المعنى لأن القلوب لا يقال لها: كاظمين، وإِنما الكاظمون أصحاب القلوب فالمعنى: إِذ قلوب الناس لدى الحناجر في حال كَظْمهم. قال المفسِّرون: «كاظِمِين» أي: مغمومين ممتلئين خوفاً وحزناً، والكاظم: المُمْسِك للشيء على ما فيه، وقد أشرنا إلى هذا عند قوله تعالى: وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ «١» . ما لِلظَّالِمِينَ يعني الكافرين مِنْ حَمِيمٍ أي: قريب ينفعُهم وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ فيهم فتُقْبَل شفاعتُه. يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ قال ابن قتيبة: الخائنة والخيانة واحد. وللمفسرين فيها أربعة أقوال: أحدها: أنه الرجُل يكون في القوم فتمرُّ به المرأة فيُريهم أنه يغُضُّ بصره، فإذا رأى منهم غفلةً لَحَظَ إِليها، فإن خاف أن يَفْطنُوا له غَضَّ بصره، قاله ابن عباس. والثاني: أنه نظر العين إِلى ما نُهي عنه، قاله مجاهد. والثالث: الغمز بالعين، قاله الضحاك والسدي. قال قتادة: هو الغمز بالعين فيما لا يُحِبُّه الله ولا يرضاه. والرابع: النظرة بعد النظرة، قاله ابن السائب. قوله تعالى: وَما تُخْفِي الصُّدُورُ فيه ثلاثة أقوال: أحدها: ما تُضْمِره من الفعل أن لو قَدَرْتَ على ما نَظَرْتَ إِليه، قاله ابن عباس. والثاني: الوسوسة، قاله السدي. والثالث: ما


(١) آل عمران: ١٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>