للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[[سورة الأعراف (٧) : آية ٢٠٥]]

وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ (٢٠٥)

قوله تعالى: وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ في هذا الذكر أربعة أقوال «١» : أحدها: أنه القراءة في الصلاة، قاله ابن عباس فعلى هذا، أُمر أن يقرأ في نفسه في صلاة الإسرار. والثاني: أنه القراءة خلف الإمام سراً في نفسه، قاله قتادة. والثالث: أنه ذِكْرُ الله باللسان. والرابع: أنه ذِكر الله باستدامة الفكر، لا يغفل عن الله تعالى، ذكر القولين الماوردي.

وفي المخاطب بهذا الذِكر قولان: أحدهما: أنه المستمع للقرآن، إما في الصلاة، وإما من الخطيب، قاله ابن زيد. والثاني: أنه خطاب النبيّ صلّى الله عليه وسلم، ومعناه عام في جميع المكلفين.

قوله تعالى: تَضَرُّعاً وَخِيفَةً التضرع: الخشوع في تواضع والخيفة: الحذر من عقابه.

قوله تعالى: وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ الجهر: الإِعلان بالشيء ورجل جهير الصوت: إذا كان صوته عالياً. وفي هذا نص على أنه الذِّكر باللسان ويحتمل وجهين: أحدهما: قراءة القرآن. والثاني:

الدعاء، وكلاهما مندوب إلى إخفائه، إلا أن صلاة الجهر قد بيّن أدبها في قوله تعالى: وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها «٢» . فأما الغدوُّ: فهو جمع غُدوة والآصال: جمع أُصُل، والأُصُل جمع أصيل فالآصال جمع الجمع، والآصال: العشيات. وقال أبو عبيدة: هي ما بين العصر إلى المغرب وأنشد:

لَعَمْري لأَنْتَ البيتُ أُكْرِمُ أهلَه ... وأقْعُدُ في أفيائه بالأصَائِل «٣»

وروي عن ابن عباس أنه قال: يعني بالغدوّ: صلاة الفجر وبالآصال: صلاة العصر.

[[سورة الأعراف (٧) : آية ٢٠٦]]

إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ (٢٠٦)

قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يعني الملائكة. لا يَسْتَكْبِرُونَ أي: لا يتكبَّرون ويتعظَّمون


(١) قال الحافظ ابن كثير في «تفسيره» ٢/ ٣٥٣- ٣٥٤. الآية وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ ... : أي اذكر ربك في نفسك رهبة ورغبة وبالقول لا جهرا ولهذا قال وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ وهكذا يستحب أن يكون الذكر، لا يكون نداء وجهرا بليغا. ولهذا لما سألوا رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقالوا: أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه، فأنزل الله وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ. وكذا قال في هذه الآية الكريمة وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ.. وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ. وقد زعم ابن جرير وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم قبله: أن المراد بهذه الآية السامع للقرآن في حال استماعه بالذكر على هذه الصفة. وهذا بعيد مناف للإنصات المأمور به. ثم المراد بذلك في الصلاة، كما تقدم، أو الصلاة والخطبة. ومعلوم أن الإنصات إذ ذاك أفضل من الذكر باللسان، سواء كان سرا أو جهرا فهذا الذي قالاه لم يتابعا عليه. بل المراد الحض على كثرة الذكر من العباد بالغدو والآصال، لئلا يكون من الغافلين وبهذا مدح الملائكة الذين يسبحون الليل والنهار ولا يفترون فقال إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ الآية. وإنما ذكرهم بهذا التشبيه بهم في كثرة طاعتهم وعبادتهم، ولهذا شرع لنا السجود ها هنا لما ذكر سجودهم لله عز وجل. وهذه أول سجدة في القرآن مما يشرع لتاليها ومستمعها السجود بالإجماع.
(٢) سورة الإسراء: ١١٠.
(٣) البيت لأبي ذؤيب الهذلي كما في «ديوانه» ١/ ١٤١.

<<  <  ج: ص:  >  >>