مكانه، قاله سعيد بن المسيب، والضحاك، والنخعي، والزهري، والسُّدّي. قال السدي: كان أحدهم يأخذ الشاة السمينة من غنم اليتيم، ويجعل مكانها المهزولة، ويأخذ الدراهم الجياد، ويطرح مكانها الزيوف. والثاني: أنه الربح على اليتيم، واليتيم غرّ لا عِلْمَ له، قاله عطاء. والقول الثاني: أنه ليس بإبدال حقيقة، وإنما هو أخْذه مستهلكاً، ثم فيه قولان: أحدهما: أنهم كانوا لا يورثون النساء والصغار، وإنما يأخذ الميراث الأكابر من الرجال، فنصيب الرجل من الميراث طيب، وما أخذه من حق اليتيم خبيث، هذا قول ابن زيد. والثاني: أنه أكل مال اليتيم بدلاً من أكل أموالهم، قاله الزجاج.
و «إلى» بمعنى «مع» والحوب: الإِثم. وقرأ الحسن، وقتادة، والنخعي بفتح الحَاء. قال الفرّاء:
أهل الحجاز يقولون: حُوب بالضم، وتميم يقولونه بالفتح. قال ابن الأنباري: وقال الفراء: المضموم الاسم، والمفتوح المصدر. قال ابن قتيبة: وفيه ثلاث لغات: حوب، وحوب، وحاب.
قوله تعالى: وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى اختلفوا في تنزيلها وتأويلها على ستة أقوال:
أحدها: أن القوم كانوا يتزوجون عدداً كثيراً من النساء في الجاهلية، ولا يتحرّجون من ترك العدل بينهن، وكانوا يتحرّجون في شأن اليتامى، فقيل لهم بهذه الآية: احذروا من ترك العدل بين النساء، كما تحذرون من تركه في اليتامى. وهذا المعنى مروي عن ابن عباس، وسعيد بن جبير والضحاك، وقتادة، والسدي ومقاتل. والثاني: أن أولياء اليتامى كانوا يتزوجون النساء بأموال اليتامى، فلما كثر النساء، مالوا على أموال اليتامى، فَقُصِروا على الأربع حفظاً لأموال اليتامى. وهذا المعنى مرويٌّ عن ابن عباس أيضاً، وعكرمة. والثالث: أن معناها: وإن خفتم يا أولياء اليتامى أن لا تعدلوا في صدقات اليتامى إذا نكحتموهن، فانكحوا سواهن من الغرائب اللواتي أحلَّ الله لكم، وهذا المعنى مروي عن عائشة.
والرابع: أن معناها: وإن خفتم يا أولياء اليتامى أن لا تعدلوا في نكاحهن، وحذرتم سوء الصحبة لهن، وقلة الرغبة فيهن، فانكحوا غيرهن، وهذا المعنى مروي عن عائشة أيضا، والحسن. والخامس: أنهم كانوا يتحرّجون من ولاية اليتامى، فأمِروا بالتحرّج من الزنى أيضا، ونُدبوا إلى النكاح الحلال، وهذا المعنى مروي عن مجاهد. والسادس: أنهم تحرجوا من نكاح اليتامى، كما تحرجوا من أموالهم، فرخّص الله لهم بهذه الآية، وقصرهم على عدد يمكن العدل فيه، فكأنه قال: وإِن خفتم يا أولياء اليتامى أن لا تعدلوا فيهن، فانكحوهن، ولا تزيدوا على أربع لتعدلوا، فإن خفتم أن لا تعدلوا فيهن، فواحدة، وهذا المعنى مروي عن الحسن «١» .
(١) قال أبو جعفر الطبري رحمه الله في تفسيره ٣/ ٥٧٧ (النساء: ٣) : وأولى الأقوال التي ذكرناها في ذلك بتأويل الآية، قول من قال: تأويلها: وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فكذلك خافوا في النساء، فلا تنكحوا منهن إلا ما لا تخافون أن تجوروا فيه منهن، من واحدة إلى الأربع. فإن خفتم الجور في الواحدة أيضا، فلا تنكحوها، ولكن عليكم بما ملكت أيمانكم، فإنه أحرى أن لا تجوروا عليهن» . وإنما قلنا إن ذلك أولى بتأويل الآية، لأن الله جل ثناؤه افتتح الآية التي قبلها بالنهي عن أكل أموال اليتامى بغير حق وخلطها بغيرها من الأموال. ثم أعلمهم أنهم إن اتقوا الله في ذلك فتحرجوا فيه، فالواجب عليهم من اتقاء الله والتحرج في أمر النساء مثل الذي عليهم من التحرج في أمر اليتامى.