قوله تعالى: غَمًّا بِغَمٍّ في هذه الباء أربعة أقوال: أحدها: أنها بمعنى «مع» . والثاني: بمعنى «بعد» . والثالث: بمعنى «على» ، فعلى هذه الثلاثة الأقوال يتعلق الغمان بالصحابة. وللمفسرين في المراد بهذين الغمين خمسة أقوال: أحدها: أن الغم الأول ما أصابهم من الهزيمة والقتل، والثاني:
إشراف خالد بن الوليد بخيل المشركين عليهم، قاله ابن عباس ومقاتل. والثاني: أن الأول قرارهم الأول، والثاني. قرارهم حين سمعوا أن محمداً قد قتل، قاله مجاهد. والثالث: أن الأول ما فاتهم من الغنيمة وأصابهم من القتل والجراح، والثاني: حين سمعوا أن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قد قتل، قاله قتادة. والرابع: أن الأول ما فاتهم من الغنيمة، والفتح، والثاني: إشراف أبي سفيان عليهم، قاله السدي. والخامس: أن الأول إشراف خالد بن الوليد عليهم، والثاني: إشراف أبي سفيان عليهم، ذكره الثعلبي. والقول الرابع:
أن الباءَ بمعنى الجزاء، فتقديره: غمكم كما غممتم غيركم، فيكون أحد الغمين للصحابة، وهو أحد غمومهم التي ذكرناها عن المفسرين، ويكون الغم الذي جُوزوا لأجله لغيرهم. وفي المراد بغيرهم قولان: أحدهما: أنهم المشركون غموهم يوم بدر، قاله الحسن. والثاني: أنه النبي صلّى الله عليه وسلّم غموه حيث خالفوه، فجوزوا على ذلك بأن غمّوا بما أصابهم، قاله الزجاج.
قوله تعالى: لِكَيْلا تَحْزَنُوا في «لا» قولان: أحدهما: أنها باقية على أصلها، ومعناها النفي، فعلى هذا في معنى الكلام قولان: أحدهما: فأثابكم غماً أنساكم الحزن على ما فاتكم وما أصابكم، وقد روي أنهم لما سمعوا أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قد قتل، نسوا ما أصابهم وما فاتهم. والثاني: أنه متّصل بقوله تعالى: وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ فمعنى الكلام: عفا عنكم، لكيلا تحزنوا على ما فاتكم وأصابكم، لأن عفوه يذهب كل غم. والقول الثاني: أنها صلة، ومعنى الكلام: لكي تحزنوا على ما فاتكم وأصابكم عقوبة لكم في خلافكم. ومثلها قوله تعالى: لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ «١» أي: ليعلم. هذا قول المفضل. قال ابن عباس: والذي فاتهم: الغنيمة، والذي أصابهم: القتل والهزيمة.
قوله تعالى: ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً قال ابن قتيبة: الأمنة: الأمن. يقال: وقعت الأمنة في الأرض. وقال الزجاج: معنى الآية: أعقبكم بما نالكم من الرعب أن أمنكم أمناً تنامون معه، لأن الشديد الخوف لا يكاد ينام. و «نعاساً» منصوب على البدل من «أمنة» ، يقال: نعس الرجل ينعس