للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله تعالى: قالَ فِرْعَوْنُ وَما رَبُّ الْعالَمِينَ سأله عن ماهيَّةِ مَنْ لا ماهيَّة له «١» ، فأجابه بما يدلُّ عليه من مصنوعاته. وفي قوله تعالى: إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ قولان: أحدهما: أنّه خَلَقَ السموات والأرض.

والثاني: إِن كنتم موقنين أن ما تعاينونه كما تعاينونه، فكذلك، فأيقنوا أن رب العالمين ربّ السّموات والأرض. قوله تعالى: قالَ يعني: فرعون لِمَنْ حَوْلَهُ من أشراف قومه أَلا تَسْتَمِعُونَ معجِّباً لهم.

فان قيل: فأين جوابهم؟ فالجواب: أنه أراد: ألا تستمعون قول موسى؟ فردَّ موسى، لأنه المراد بالجواب، ثم زاد في البيان بقوله: رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ، فأعرض فرعون عن جوابه ونسبه إِلى الجنون، فلم يَحْفِل موسى بقول فرعون، واشتغل بتأكيد الحُجَّة ف قالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ أي: إِن كنتم ذوي عقول لم يَخْفَ عليكم ما أقول.

[سورة الشعراء (٢٦) : الآيات ٢٩ الى ٤٨]

قالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ (٢٩) قالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ (٣٠) قالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٣١) فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ (٣٢) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ (٣٣)

قالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ (٣٤) يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَماذا تَأْمُرُونَ (٣٥) قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ (٣٦) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ (٣٧) فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (٣٨)

وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ (٣٩) لَعَلَّنا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كانُوا هُمُ الْغالِبِينَ (٤٠) فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ قالُوا لِفِرْعَوْنَ أَإِنَّ لَنا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ (٤١) قالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذاً لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (٤٢) قالَ لَهُمْ مُوسى أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ (٤٣)

فَأَلْقَوْا حِبالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغالِبُونَ (٤٤) فَأَلْقى مُوسى عَصاهُ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ (٤٥) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ (٤٦) قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ (٤٧) رَبِّ مُوسى وَهارُونَ (٤٨)


(١) قال ابن كثير رحمه الله في «تفسيره» ٣/ ٤١٤: يقول تعالى مخبرا عن كفر فرعون، وتمرده، وطغيانه وجحوده في قوله وَما رَبُّ الْعالَمِينَ وذلك أنه كان يقول لقومه: ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطاعُوهُ وكانوا يجحدون الصانع- تعالى- ويعتقدون أنه لا رب لهم سوى فرعون. فلما قال موسى: إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ قال له: ومن هذا الذي تزعم أنه رب العالمين غيري؟! ومن زعم من أهل المنطق وغيرهم أن هذا سؤال عن الماهية فقد غلط، فإنه لم يكن مقرا بالصانع حتى يسأل عن ماهيته. بل كان جاحدا له بالكلية فيما يظهر، وإن كانت الحجج والبراهين قد قامت عليه، فيجيبه موسى:
رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ أي: إن كانت لكم قلوب موقنة، وأبصار نافذة، فعند ذلك التفت فرعون إلى من حوله من ملئه ورؤساء دولته قائلا لهم على سبيل التهكم والاستهزاء والتكذيب لموسى فيما قاله: أَلا تَسْتَمِعُونَ أي: ألا تعجبون مما يقول هذا في زعمه أن لكم إلها غيري. فأجاب موسى بقوله: رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ ولهذا لما غلب فرعون وانقطعت حجته عدل إلى استعمال جاهه وقوته وسلطانه، واعتقد أن ذلك نافع له ونافذ في موسى- عليه السلام- فقال: ما أخبر الله تعالى عنه: قالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>