تؤدَّى زكاته فهو كنز وإن كان ظاهراً على وجه الأرض، وإلى هذا المعنى ذهب الجمهور. فعلى هذا، معنى الإنفاق: إخراج الزكاة. والثاني: أنه ما زاد على أربعة آلاف، روي عن علي بن أبي طالب أنه قال: أربعة آلاف نفقة، وما فوقها كنز. والثالث: ما فضل عن الحاجة، وكان يجب عليهم إخراج ذلك في أول الإسلام ثم نُسخ بالزكاة.
فان قيل: كيف قال: «ينفقونها» وقد ذكر شيئين؟ فعنه جوابان:
أحدهما: أن المعنى: يرجع إلى الكنوز والأموال.
والثاني: أنه يرجع إلى الفضة، وحذُف الذهب، لأنه داخل في الفضة، قال الشاعر:
نَحْنُ بِمَا عِنْدَنَا وأنْتَ بِمَا ... عندك راضٍ والرأي مختلفُ «١»
يريد: نحن بما عندنا راضون، وأنت بما عندك راضٍ، ذكر القولين الزجاج. وقال الفراء: إن شئت اكتفيت بأحد المذكورين، كقوله تعالى: وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً
«٢» ، وقوله تعالى: وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها «٣» ، وأنشد:
إني ضمنت لمن أتاني ما جَنَى ... وأبى وكان وكنت غير غَدورِ «٤»
ولم يقل: غدورين، وإنما اكتفى بالواحد لاتفاق المعنى. قال أبو عبيدة: والعرب إذا أشركوا بين اثنين قصروا، فخبَّروا عن أحدهما استغناء بذلك، وتحقيقاً لمعرفة السامع بأن الآخر قد شاركه، ودخل معه في ذلك الخبر، وأنشد:
فمن يك أمسى بالمدينة رحْلُهُ ... فاني وقيَّارٌ بها لغريب «٥»
والنصب في «قيار» أجود، وقد يكون الرفع. وقال حسان بن ثابت:
إنَّ شرخَ الشبابِ والشّعر الأس ... ود ما لم يعاص كان جنونا «٦»
ولم يقل: يعاصيا.
[[سورة التوبة (٩) : آية ٣٥]]
يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هذا ما كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (٣٥)
قوله تعالى: يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها أي: على الأموال.
(٦٩٥) قال ابن مسعود: والله ما من رجل يُكوى بكنز، فيوضعُ دينار على دينار ولا درهم على
موقوف صحيح. أخرجه الطبري ١٦٦٩٧ و ١٦٦٩٨ والطبراني ٨٧٥٤ عن ابن مسعود موقوفا وهو صحيح.