للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الليل. قوله تعالى: وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ وقرأ أبو المتوكل، وأبو الجوزاء، وأبو عمران، وعاصم الجحدري: «سابِقُ» بالتنوين «النَّهارَ» بالنصب، وفيه قولان: أحدهما: لا يَتقدَّم الليلُ قبل استكمال النهار. والثاني: لا يأتي ليل بعد ليل من غير نهار فاصل بينهما. وباقي الآية مفسّر في سورة الأنبياء «١» .

[سورة يس (٣٦) : الآيات ٤١ الى ٤٦]

وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (٤١) وَخَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ ما يَرْكَبُونَ (٤٢) وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلا صَرِيخَ لَهُمْ وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ (٤٣) إِلاَّ رَحْمَةً مِنَّا وَمَتاعاً إِلى حِينٍ (٤٤) وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَما خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٤٥)

وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ (٤٦)

قوله تعالى: وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ قرأ نافع، وابن عامر: «ذُرْيَّاتِهِمْ» على الجمع وقرأ الباقون من السبعة: «ذُرِّيَّتَهُمْ» على التوحيد. قال المفسِّرون: أراد: في سفينة نوح، فنسب الذُّرِّيَّة إلى المخاطَبين، لأنهم من جنسهم، كأنه قال: ذُرِّيَّة الناس. وقال الفراء: أي: ذُرِّيَّة مَنْ هو منهم، فجعلها ذُرِّيَّةً لهم، وقد سبقتْهم. وقال غيره: هو حَمْلُ الأنبياء في أصلاب الآباء حين رَكِبوا السفينة، ومنه قول العباس:

بَلْ نُطْفَةٌ تَرْكَبُ السَّفينَ وقَدْ ... أَلْجَمَ نَسْراً وأَهْلَهُ الغَرَقُ

قال المفضّل بن سلمة: الذُّرِّيَّة: النَّسْل، لأنهم مَنْ ذرأهم اللهُ منهم، والذُّرِّيَّة أيضا: الآباء، لأن الذَّرَّ وقع منهم، فهو من الأضداد، ومنه هذه الآية، وقد شرحنا هذا في قوله تعالى: ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ «٢» . والمشحون: المملوء. قوله تعالى: وَخَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ فيه قولان: أحدهما: مِثْل سفينة نوح، وهي السُّفُن، روى هذا المعنى سعيد بن جبير عن ابن عباس، وبه قال الضحاك، وأبو مالك، وأبو صالح، والمراد بهذا ذِكْر مِنَّته بأن خَلَق الخشب الذي تُعْمَل منه السُّفُن. والثاني: أنها الإِبل، خَلَقها لهم للرُّكوب في البَرِّ مثل السُّفُن المركوبة في البحر، رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال مجاهد، وعكرمة، وعن الحسن وقتادة كالقولين.

قوله تعالى: فَلا صَرِيخَ لَهُمْ أي: لا مُغيثَ ولا مُجِير وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ أي: ينجون من الغرق، يقال: أنقَذه واستنقَذه: إذا خلَّصه من المكروه، إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا المعنى: إلا أن نرحمهم ونمتِّعهم إلى آجالهم. قوله تعالى: وَإِذا قِيلَ لَهُمُ يعني الكُفَّار اتَّقُوا ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَما خَلْفَكُمْ فيه أربعة أقوال:

أحدها: «ما بين أيديكم» : ما مضى من الذُّنوب، «وما خَلْفكم» : ما يأتي من الذنُّوب، قاله مجاهد.

والثاني: ما تَقدَّم من عذاب الله للأُمم، «وما خلفكم» من أمر الساعة، قاله قتادة. والثالث: «ما بين أيديكم» من الدنيا، «وما خَلْفكم» من عذاب الآخرة، قاله سفيان. والرابع: «ما بين أيديكم» من أمر الآخرة، «وما خَلْفكم» من أمر الدنيا فلا تَغْتَرُّوا بها. قاله ابن عباس والكلبي. لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ أي:

لتكونوا على رجاء الرحمة من الله. وجواب «إذا» محذوف، تقديره: إِذا قيل لهم هذا، أعرضوا ويدلّ على هذا المحذوف قوله تعالى وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ أي: من دلالة تدلّ على صدق الرّسول.


(١) الأنبياء: ٣٣.
(٢) آل عمران: ٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>