أُمر أن يسأل الكفار عن هذا، احتجاجاً عليهم بأن الذي يرزُق هو المستحِقُّ للعبادة، وهم لا يُثبتون رازقاً سواه، ولهذا قيل له: قُلِ اللَّهُ لأنهم لا يُجيبون بغير هذا وها هنا تم الكلام. ثم أمره أن يقول لهم:
وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ مذهب المفسّرين أنّ «أو» ها هنا بمعنى الواو. وقال أبو عبيدة: معنى الكلام: وإِنَّا لَعَلى هُدىً، وإِنَّكم لفي ضلالُ مبين. وقال الفراء: معنى «أو» عند المفسرين معنى الواو، وكذلك هو في المعنى، غير أن العربيَّة على غير ذلك، لا تكون «أو» بمنزلة الواو، ولكنها تكون في الأمر المفوَّض، كما تقول: إِن شئت فَخُذ درهماً أو اثنين، فله أن يأخذ واحداً أو اثنين، وليس له أن يأخذ ثلاثة، وإِنما معنى الآية: وإِنّا لضالُّون أو مهتدون، وإِنكم أيضاً لضالُّون أو مهتدون، وهو يَعْلَمُ أن رسوله المهتدي، وأن غيره الضالُّ، كما تقول للرجل تكذِّبه: واللهِ إِنَّ أحدنا لكاذب- وأنت تعنيه- فكذَّبْتَه تكذيباً غير مكشوف ويقول الرجل: والله لقد قَدِم فلان، فيقول له من يَعْلَم كذبه: قل: إِن شاء الله، فيكذِّبه بأحسنَ من تصريح التكذيب ومن كلام العرب أن يقولوا: قاتله الله، ثم يستقبحونها، فيقول: قاتَعَه الله، ويقول بعضهم: كاتعه الله ويقولون: جوعاً، دعاء على الرجل، ثم يستقبحونها فيقولن: جوداً، وبعضهم يقول: جوساً ومن ذلك قولهم: ويحك وويسك، وإِنما هي في معنى «ويلك» إِلا أنها دونها. قوله تعالى: قُلْ لا تُسْئَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنا أي: لا تؤاخَذون به وَلا نُسْئَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ من الكفر والتكذيب والمعنى إِظهار التبرِّي منهم. وهذه الآية عند أكثر المفسرين منسوخة بآية السيف، ولا وجه لذلك. قوله تعالى: قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنا رَبُّنا يعني عند البعث في الآخرة ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنا أي: يقضي بِالْحَقِّ أي: بالعدل وَهُوَ الْفَتَّاحُ القاضي الْعَلِيمُ بما يقضي قُلْ للكفار أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكاءَ أي: أَعلِموني من أيِّ وجه ألحقتموهم وهم لا يخلُقون ولا يرزُقون كَلَّا ردع وتنبيه والمعنى: ارتدِعوا عن هذا القول، وتنبَّهوا عن ضلالتكم، فليس الأمر على ما أنتم عليه.
قوله تعالى: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ أي: عامَّة لجميع الخلائق. وفي الكلام تقديم، تقديره: وما أرسلناك إِلاَّ للناس كافَّةً. وقيل: معنى «كافة للناس» : تكفُّهم عمَّا هُم عليه من الكفر، والهاء فيه للمبالغة. وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ يعنون العذاب الذي يَعِدُهم به في يوم القيامة وإِنما قالوا هذا لأنهم يُنْكرون البعث قُلْ لَكُمْ مِيعادُ يَوْمٍ وفيه قولان: أحدهما: أنه يوم الموت عند النَّزْع والسّياق، قاله الضحاك. والثاني: يوم القيامة، قاله أبو سليمان الدّمشقي.