للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقف بالياء قال أبو علي: يعني بقوله: يقف بالياء، أي: بألِفٍ مُمالة. قال الفراء: أكثر العرب على ترك التنوين، ومنهم من نوَّن، قال ابن قتيبة: والمعنى: نُتَابع بفترة بين كل رسولين، وهو من التَّواتر، والأصل: وَتْرَى، فقُلبت الواو تاءً كما قلبوها في التَّقوى والتخمة. وحكى الزجاج عن الأصمعي أنه قال: معنى واتَرْتُ الخَبرَ: أتْبَعْتُ بعضه بعضاً، وبين الخبرين هُنيَّة. وقرأت على شيخنا أبي منصور اللغوي قال: ومما تضعه العامة غير موضعه قولهم: تواترتْ كتُبي إِليك، يعنون: اتصلتْ من غير انقطاع، فيضعون التواتر في موضع الاتصال، وذلك غلط، إِنما التواتر مجيء الشيء ثم انقطاعه ثم مجيئه، وهو التفاعل من الوِتر، وهو الفرد، يقال: واترتُ الخبر، أَتْبعتُ بعضه بعضاً، وبين الخبرين هُنَيهة قال الله تعالى: ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا أصلها «وَتْرى» من المواترة فأبدلت التاء من الواو، ومعناه:

منقطعة متفاوتة، لأن بين كل نبيَّين دهراً طويلاً، وقال أبو هريرة: لا بأس بقضاء رمضان تترى، أي:

منقطعاً، فإذا قيل: واتر فلان كتبه، فالمعنى: تابعها، وبين كل كتابين فترة.

قوله تعالى: فَأَتْبَعْنا بَعْضَهُمْ بَعْضاً أي: أهلكنا الأمم بعضهم في إِثر بعض وَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ قال أبو عبيدة: أي يُتمثَّل بهم في الشرِّ، ولا يقال في الخير: جعلته حديثا.

[سورة المؤمنون (٢٣) : الآيات ٤٥ الى ٤٨]

ثُمَّ أَرْسَلْنا مُوسى وَأَخاهُ هارُونَ بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ (٤٥) إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً عالِينَ (٤٦) فَقالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا وَقَوْمُهُما لَنا عابِدُونَ (٤٧) فَكَذَّبُوهُما فَكانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ (٤٨)

قوله تعالى: فَاسْتَكْبَرُوا أي: عن الإِيمان بالله وعبادته وَكانُوا قَوْماً عالِينَ أي: قاهرين للناس بالبغي والتطاول عليهم. قوله تعالى: وَقَوْمُهُما لَنا عابِدُونَ أي: مطيعون. قال أبو عبيدة: كل من دان لملك فهو عابد له.

[سورة المؤمنون (٢٣) : الآيات ٤٩ الى ٥٠]

وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (٤٩) وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ (٥٠)

قوله تعالى: وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ يعني: التوراة، أُعطيها جملة واحدة بعد غرق فرعون لَعَلَّهُمْ يعني: بني إِسرائيل، والمعنى: لكي يهتدوا.

قوله تعالى: وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وقرأ ابن مسعود، وابن أبي عبلة: «آيتين» على التثنية، وهذا كقوله: وَجَعَلْناها وَابْنَها آيَةً «١» وقد سبق شرحه.

قوله تعالى: وَآوَيْناهُما أي: جعلناهما يأويان إِلى رَبْوَةٍ قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وحمزة، والكسائي: «رُبوة» بضم الراء، وقرأ عاصم، وابن عامر: بفتحها. وقد شرحنا معنى الربوة في البقرة «٢» ، ذاتِ قَرارٍ أي: مستوية يستقر عليها ساكنوها، والمعنى: ذات موضع قَرار. وقال الزجاج:

أي: ذات مستقَرّ وَمَعِينٍ وهو الماء الجاري من العيون. وقال ابن قتيبة: «ذات قرار» أي: يُستقَرُّ بها للعمارة «ومَعينٍ» هو الماء الظاهر، ويقال: هو مفعول من العين، كأنّ أصله معيون، كم يقال: ثوب


(١) سورة الأنبياء: ٩١.
(٢) سورة البقرة: ٢٦٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>