والثاني: أنه ضغطة القبر حتى تختلف أضلاعه فيه، رواه عطاء عن ابن عباس. والثالث: شِدَّة عيشه في النار، رواه الضحاك عن ابن عباس، وبه قال الحسن، وقتادة، وابن زيد. قال ابن السائب:
وتلك المعيشة من الضريع والزقُّوم. والرابع: أن المعيشة الضَّنْك: كسب الحرام، روى الضحاك عن ابن عباس قال: المعيشة الضَّنْك: أن تضيق عليه أبواب الخير فلا يهتدى لشيء منها، وله معيشة حرام يركض فيها. قال الضحاك: فهذه المعيشة هي الكسب الخبيث، وبه قال عكرمة. والخامس: أن المعيشة الضَّنْك: المال الذي لا يتَّقي اللهَ صاحبُه فيه، رواه العوفي عن ابن عباس.
فخرج في مكان المعيشة ثلاثة أقوال: أحدها: القبر. والثاني: الدنيا. والثالث: جهنم.
وفي قوله تعالى: وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر، وحفص عن عاصم: «أعمى» «حشرتَني أعمى» بفتح الميمين، وقرأ حمزة، والكسائي، وأبو بكر عن عاصم بكسرهما. وقرأ نافع بين الكسر والفتح. ثم في هذا المعنى للمفسرين قولان: أحدهما: أعمى البصر، روى أبو صالح عن ابن عباس قال: إِذا أُخرج من القبر خرج بصيراً، فإذا سيق إِلى المحشر عمي.
والثاني: أعمى عن الحُجَّة، قاله مجاهد، وأبو صالح. قال الزجاج: معناه: فلا حُجَّة له يهتدي بها، لأنه ليس للناس على الله حُجَّة بعد الرسل.
قوله تعالى: كَذلِكَ أي: الأمر كذلك كما ترى أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها أي: فتركتَها ولم تؤمن بها، وكما تركتَها في الدنيا تُترَك اليوم في النار وَكَذلِكَ أي: وكما ذكرناه نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ أي: أشرك وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ من عذاب الدنيا ومن عذاب القبر وَأَبْقى لأنه يدوم.
[سورة طه (٢٠) : الآيات ١٢٨ الى ١٣٠]
أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى (١٢٨) وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكانَ لِزاماً وَأَجَلٌ مُسَمًّى (١٢٩) فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرافَ النَّهارِ لَعَلَّكَ تَرْضى (١٣٠)
قوله تعالى: أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ أي: أفلم يتبيَّن لكفار مكة إِذا نظروا آثار مَنْ أهلكْنا مِنَ الأمم وكانت قريش تتَّجر وترى مساكن عاد وثمود وفيها علامات الهلاك، فذلك قوله تعالى: يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ. وروى زيد عن يعقوب: «أفلم نَهْدِ» بالنون.
قوله تعالى: وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ في تأخير العذاب عن هؤلاء الكفار إِلى يوم القيامة، وقيل: إِلى يوم بدر، وقيل: إِلى انقضاء آجالهم لَكانَ لِزاماً أي: لكان العذاب لزاماً، أي: لازماً لهم. واللِّزام: مصدر وُصف به العذاب. قال الفراء وابن قتيبة: في هذه الآية تقديم وتأخير، والمعنى:
ولولا كلمة وأَجَل مسمّىً لكان لزاماً.
قوله تعالى: فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ أمر الله تعالى نبيَّه بالصبر على ما يسمع من أذاهم إِلى أن يحكم الله فيهم، ثم حكم فيهم بالقتل، ونسخ بآية السيف إِطلاق الصّبر.
قوله تعالى: وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ أي: صلِّ له بالحمد له والثناء عليه قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ يريد الفجر وَقَبْلَ غُرُوبِها يعني: العصر وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ الآناء: الساعات، وقد بيَّنَّاها في آل عمران «١» ،
(١) سورة آل عمران: ١١٣.