للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله عزّ وجلّ: وَمَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً وقرأ أبو رجاء، وأبو عمران: «كُبَارا» برفع الكاف، وتخفيف الباء. وقرأ أبو يعمر، وأبو الجوزاء، وابن محيصن «كِبَارا» بكسر الكاف مع تخفيف الباء والمعنى «كبيراً» يقال: كبير وكبار وكبار وقد شرحنا هذا في أول ص. ومعنى «المكر» : السعي في الفساد: وذلك أن الرؤساء منعوا أتباعهم عن الإيمان بنوح وَقالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ أي: لا تَدَعُنَّ عبادتها وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا قرأ أبو جعفر، ونافع بضم الواو. والباقون بفتحها. وهذا الاسم وما بعده أسماء آلهتهم.

وجاء في التفسير أن هذه أسماء قوم صالحين، كانوا بين آدم ونوح، فنشأ قوم بعدهم يأخذون بأخذهم في العبادة، فقال لهم إبليس: لو صورتم صُوَرَهُمْ كان أنشط لكم، وأشوق للعبادة، ففعلوا. ثم نشأ قوم بعدهم، فقال لهم إبليس: إن الذين من قبلكم كانوا يعبدونهم، فعبدوهم وكان ابتداء عبادة الأوثان من ذلك الوقت. وسمّيت تلك الصورة بهذه الأسماء، لأنهم صوروها على صور أولئك القوم المسمّين بهذه الأسماء. وقيل: إنما هي أسماء لأولاد آدم، مات منهم واحد، فجاء الشيطان فقال: هل لكم أن أصور لكم صورته، فتذكرونه بها؟ فصورها. ثم مات آخر، فصور لهم صورته، إلى أن صور صوراً خمسة.

ثم طال الزمان، وتركوا عبادة الله، فقال لهم الشيطان: ما لكم لا تعبدون شيئا؟ فقالوا: من نعبد؟ قال:

هذه آلهتكم، وآلهة آبائكم، ألا ترونها مصوَّرة في مصلاكم؟! فعبدوها.

وقال الزجاج: هذه الأصنام كانت لقوم نوح، ثم صارت إِلى العرب، فكان «ود» لكلب، و «سواع» لهمدان، و «يغوث» لمذحج، و «يعوق» لكنانة و «نسر» لحمير، وقال مقاتل: إنما كان «سواع» لهذيل و «يعوق» لهمدان «ويغوث» لبني غطيف، وهم حيّ من بني مراد. وقيل: لما جاء الطوفان غطى على هذه الأصنام وطمَّها التراب، فلما ظهرت بعد الطوفان صارت إلى هؤلاء المذكورين، قال الواقدي: كان «ودّ» على صورة رجل، و «سواع» على صورة امرأة، و «يغوث» على صورة أسد، و «يعوق» على صورة فرس، و «نسر» على صورة النسر من الطير.

قوله عزّ وجلّ: وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً فيه قولان: أحدهما: وقد أضلت الأصنام كثيراً من الناس، أي: ضلوا بسببها. والثاني: وقد أضلَّ الكبراء كثيراً من الناس. وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ يعني: الكافرين إِلَّا ضَلالًا وهذا دعاء من نوح عليهم، لما أعلمه الله أنهم لا يؤمنون.

[سورة نوح (٧١) : الآيات ٢٥ الى ٢٨]

مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصاراً (٢٥) وَقالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً (٢٦) إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلاَّ فاجِراً كَفَّاراً (٢٧) رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلاَّ تَباراً (٢٨)

قوله تعالى: مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ «ما» : صلة. والمعنى من خطيئاتهم: أي من أجلها، وسببها وقرأ أبو عمرو «مما خطاياهم» وقرأ أبو الجوزاء، والجحدري «خطيئتهم» من غير ألف أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً قال ابن السائب: المعنى: سيدخلون في الآخرة ناراً، فجاء لفظ الماضي بمعنى الاستقبال، لأن الوعد حق، هذا قول الأكثرين. وقال الضحاك: فأُدخلوا نارا في الدنيا، وذلك أنهم كان يغرقون من جانب، ويحترقون في الماء من جانب.

قوله عزّ وجلّ: فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصاراً أي: لم يجدوا أحداً يمنعهم من عذاب الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>