للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله تعالى: كَذلِكَ أي: كذلك أريناه البرهان لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وهو خيانة صاحبه وَالْفَحْشاءَ ركوبَ الفاحشة إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر بكسر اللام، والمعنى: إِنه من عبادنا الذين أخلصوا دينهم. وقرأ عاصم، وحمزة، والكسائي بفتح اللام، أرادوا: من الذين أخلصهم الله من الأسواء والفواحش. وبعض المفسرين يقول: السوء: الزنى، والفحشاء: المعاصي.

[سورة يوسف (١٢) : الآيات ٢٥ الى ٢٧]

وَاسْتَبَقَا الْبابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيا سَيِّدَها لَدَى الْبابِ قالَتْ ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلاَّ أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٢٥) قالَ هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكاذِبِينَ (٢٦) وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٢٧)

قوله تعالى: وَاسْتَبَقَا الْبابَ يعني يوسف والمرأة، تبادرا إِلى الباب يجتهد كل واحد منهما أن يسبق صاحبه، وأراد يوسف أن يسبق ليفتح الباب ويخرج، وأرادت هي إِن سبقت إِمساك الباب لئلا يخرج، فأدركته فتعلقت بقميصه من ورائه، فجذبته إِليها، فقدَّت قميصه من دبر، أي: قطعته من خلفه، لأنه كان هو الهارب وهي الطالبة له. قال المفسرون: قطعت قميصه نصفين، فلما خرجا، ألفيا سيدها، أي: صادفا زوجها عند الباب، فحضرها في ذلك الوقت كيد، فقالت سابقةً بالقول مبرِّئةً لنفسها من الأمر ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً قال ابن عباس: تريد الزّنى إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أي: ما جزاؤه إِلا السّجن أَوْ عَذابٌ أَلِيمٌ يعني الضرب بالسياط، فغضب يوسف حينئذ وقال: هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وقال وهب بن منبِّه: قال له العزيز حينئذ: أخنتني يا يوسف في أهلي، وغدرتَ بي، وغررتني بما كنت أرى من صلاحك! فقال حينئذ: هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي.

قوله تعالى: وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها وذلك أنه لما تعارض قولاهما، احتاجا إِلى شاهد يُعلَم به قول الصادق. وفي ذلك الشاهد ثلاثة «١» أقوال: أحدها: أنه كان صبياً في المهد، رواه عكرمة عن ابن عباس «٢» ، وشهر بن حوشب عن أبي هريرة، وبه قال سعيد بن جبير، والضحاك، وهلال بن يساف


(١) الصواب من هذه الأقوال القول الثاني، وأنه- أي الشاهد- من خاصة الملك أو العزيز، والأشبه أن يكون مستشارا له أو قاضيا، فإن ما قاله في شأن القميص يدل على فهم وخبرة.
- وأما مستند القول الأول عن ابن عباس فخبره واه، لا تقوم به حجة.
(٢) أخرجه الطبري ١٩١٠٩ و ١٩١١٨ عن ابن عباس قوله، وإسناده ضعيف، فيه عطاء بن السائب، وقد اختلط.
وكرره ١٩١٢٠ بإسناد ساقط، فيه عطية العوفي ضعيف، وعنه مجاهيل وأخرج خلافه برقم ١٩١٢١ عن ابن عباس قوله: كان ذا لحية. ورجاله رجال مسلم، لكن سماك بن حرب مضطرب الرواية في عكرمة.
- قلت: وورد أثر ابن عباس بمثل سياق المصنف مرفوعا، أخرجه الحاكم ٢/ ٥٩٥ من طريق السري بن خزيمة عن مسلم بن إبراهيم عن جرير بن حازم عن ابن سيرين عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة: عيسى بن مريم، وشاهد يوسف، وصاحب جريج، وابن ماشطة فرعون» .
- صححه الحاكم على شرطهما! ووافقه الذهبي! وليس بشيء، والوهم فيه من السري بن خزيمة، أو من شيخ الحاكم، فقد أخرج البخاري ٣٤٣٦ ومسلم ٢٥٥٠ وأحمد ٢/ ٣٠٧ وغيرهما من طرق عن مسلم بن إبراهيم.
بهذا الإسناد «لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة فذكر فيه عيسى بن مريم، وصاحب جريج، والطفل الرضيع وقصته مع الجبار والجارية» وسيأتي. فهذا هو الصحيح، وليس فيه ذكر ابن ماشطة فرعون ولا شاهد يوسف.
ويلاحظ أن خبر الحاكم صدره «لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة. ثم ذكر أربعة؟!!. فهذا دليل على أنه حديث مقلوب، جعل إسناده لمتن آخر، والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>