للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي مقدار حَمْلها سبعة أقوال: أحدها: أنها حين حملت وضعت، قاله ابن عباس، والمعنى: أنه ما طال حملها، وليس المراد أنها وضعته في الحال، لأن الله تعالى يقول: فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ، وهذا يدل على أن بين الحمل والوضع وقتاً يحتمل الانتباذ به. والثاني: أنها حملته تسع ساعات، ووضعت من يومها، قاله الحسن. والثالث: تسعة أشهر قاله سعيد بن جبير، وابن السائب. والرابع:

ثلاث ساعات، حملته في ساعة، وصوِّر في ساعة، ووضعته في ساعة، قاله مقاتل بن سليمان.

والخامس: ثمانية أشهر، فعاش، ولم يعش مولود قط لثمانية أشهر، فكان في هذا آية، حكاه الزجاج.

والسادس: في ستة أشهر، حكاه الماوردي. والسابع: في ساعة واحدة، حكاه الثعلبي.

قوله تعالى: فَانْتَبَذَتْ بِهِ يعني بالحَمْل مَكاناً قَصِيًّا أي: بعيداً. وقرأ ابن مسعود، وابن أبي عبلة: «قاصياً» . قال ابن إِسحاق: مشت ستة أميال. قال الفراء: القصيّ والقاصي بمعنى واحد.

وقال غير الفراء: القصيّ والقاصي بمنزلة الشهيد والشاهد. وإِنما بَعُدت، فراراً من قومها أن يعيِّروها بولادتها من غير زوج.

قوله تعالى: فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ وقرأ عكرمة، وإِبراهيم النخعي، وعاصم الجحدري:

«المِخاض» بكسر الميم. قال الفراء: المعنى: فجاء بها المخاض، فلما أُلقيت الباء، جُعلت في الفعل ألفاً، ومثله: آتِنا غَداءَنا «١» أي: ومثله: آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ «٢» أي: بزبر الحديد. قال أبو عبيدة:

أفعلها من جاءت هي فأجاءها غيرها. وقال ابن قتيبة: المعنى: جاء بها، وألجأها، وهو من حيث يقال: جاءت بي الحاجة إِليك، وأجاءَتني الحاجة إِليك، والمَخاض: الحمل. وقال غيره: المخاض:

وجع الولادة. إِلى جِذْعِ النَّخْلَةِ وهو ساق النخلة، وكانت نخلة يابسة في الصحراء، ليس لها رأس ولا سعف. قالَتْ يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا اليوم، أو هذا الأمر، وقرأ نافع، وحمزة، والكسائي، وخلف، وحفص: «مِتُّ» بكسر الميم. وفي سبب قولها هذا قولان: أحدهما: أنها قالته حياءً من الناس.

والثاني: لئلا يأثموا بقذفها.

قوله تعالى: وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، والكسائي، وأبو بكر عن عاصم، بكسر النون، وقرأ حمزة، وحفص عن عاصم: «نَسياً» بفتح النون، قال الفرّاء:

وأصحاب عبد الله يقرءون: «نسيا» بفتح النون وسائر العرب بكسرها، وهما لغتان، مثل الجَسر والجِسر، والوَتر والوِتر، والفتح أحب إِليَّ، قال أبو علي الفارسي: الكسر على اللغتين. وقال ابن الأنباري: من كسر النون قال: النِسي: اسم لما يُنسى، بمنزلة البِغض اسم لما يُبْغَض، والسِّب اسم لما يُسَب. والنَسي بفتح النون: اسم لما يُنسى أيضاً على أنه مصدر ناب عن الاسم، كما يقال: الرجل دَنِف، ودَنَف، فالمكسور: هو الوصف الصحيح، والمفتوح: مصدر سدَّ مسدَّ الوصف. ويمكن أن يكون النِسي والنَسي اسمين لمعنىً، كما يقال: الرِّطل والرَّطل.

وللمفسرين في قوله تعالى: نَسْياً مَنْسِيًّا خمسة أقوال: أحدها: يا ليتني لم أكن شيئاً، قاله الضحاك عن ابن عباس وبه قال عطاء وابن زيد. والثاني: «وكنت نسيا منسيّا» أي دم حيضة ملقاة «٣» ،


(١) سورة الكهف: ٦٢.
(٢) سورة الكهف: ٩٦.
(٣) هذا قول باطل، وهو من بدع التأويل، فيه التنقص من مقام السيدة مريم عليها السلام. والصواب قول ابن عباس وغيره المتقدم، وكذا قول قتادة الآتي.

<<  <  ج: ص:  >  >>