للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قاله مجاهد، وعيد بن جبير، وكرمة. قال الفراء: النّسي: ما تلقيه المرأة من خرق اعتلالها. وقال ابن الأنباري: هي خرق الحيض تلقيها المرأة فلا تطلبها ولا تذكرها. والثالث: أنه السقط، قاله أبو العالية والربيع. والرابع: أن المعنى: ليتني لا يُدرى من أنا، قاله قتادة. والخامس: أنه الشيء التافه يرتحل عنه القوم، فيهون عليهم فلا يرجعون إِليه، قاله ابن السائب، وقال أبو عبيدة: النِسي والمنسي: ما ينسى من إِداوة وعصا. يعني أنه ينسى في المنزل فلا يرجع إِليه لاحتقار صاحبه إِياه. وقال الكسائي: معنى الآية ليتني كنت ما إِذا ذُكر لم يُطلب.

قوله تعالى: فَناداها مِنْ تَحْتِها قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر وأبو بكر عن عاصم: «مَن تحتها» بفتح الميم، والتاء. وقرأ نافع، وحمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم: «مِن تحتها» بكسر الميم والتاء، فمن قرأ بكسر الميم، ففيه وجهان «١» : أحدهما: ناداها الملك من تحت النخلة. وقيل:

كانت على نَشَز، فناداها الملك أسفل منها. والثاني: ناداها عيسى لما خرج من بطنها. قال ابن عباس:

كلُّ ما رفعت إِليه طرفك، فهو فوقك، وكلُّ ما خفضت إِليه طرفك، فهو تحتك. ومن قرأ مِنْ تَحْتِها بفتح الميم، ففيه الوجهان المذكوران، وكان الفراء يقول: ما خاطبها إِلا الملك على القراءتين جميعاً.

قوله تعالى: قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا فيه قولان»

: أحدهما: أنه النهر الصغير، قاله جمهور المفسرين، واللغويون، قال أبو صالح، وابن جريج: هو الجدول بالسريانية. والثاني: أنه عيسى كان سرياً من الرجال، قاله الحسن، وعكرمة، وابن زيد، قال ابن الأنباري: وقد رجع الحسن عن هذا القول إِلى القول الأول، ولو كان وصفاً لعيسى، كان غلاماً سريّا أو سريّا من الغلمان، وقلَّما تقول العرب: رأيت عندك نبيلاً، حتى يقولوا: رجلاً نبيلاً.

فإن قيل: كيف ناسب تسليتها أن قيل: لا تحزني، فهذا نهر يجري؟ فالجواب من وجهين:

أحدهما: أنها حزنت لجدب مكانها الذي ولدت فيه، وعدم الطعام والشراب والماء الذي يتطهّر به، فقيل: لا تحزني قد أجرينا لك نهراً، وأطلعنا لك رطباً، قاله أبو صالح عن ابن عباس. والثاني: أنها حزنت لِما جرى عليها من ولادة ولد عن غير زوج، فأجرى الله تعالى لها نهراً، فجاءها من الأردنِّ، وأخرج لها الرَّطب من الشجرة اليابسة، فكان ذلك آية تدل على قدرة الله عزّ وجلّ في إِيجاد عيسى، قاله مقاتل.

قوله تعالى: وَهُزِّي إِلَيْكِ الهزُّ: التحريك. والباء في قوله تعالى: بِجِذْعِ النَّخْلَةِ فيها ثلاثة أقوال: أحدهما: أنها زائدة، كقوله تعالى: فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ قال الفراء: معناه: فليمدد سبباً.

والعرب تقول: هزَّه، وهزَّ به، وخذ الخطام وخذ بالخطام، وتعلّق زيدا وتعلّق به. والثاني: أنها مؤكدة، كقول الشاعر:

نَضْرِبُ بالسَّيفِ ونرجو بالفرَج «٣»


(١) الراجح أنه جبريل عليه السلام، وعيسى إنما تكلم أمام القوم، وكان أول ما نطق به هو العبودية لله تعالى.
(٢) القول الأول هو الصواب، وهو الذي اختاره الطبري في «تفسيره» ٨/ ٣٣٠.
(٣) هو شطر من الرجز لراجز من بني جعدة، وهو في «الخزانة» ٤/ ١٥٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>