للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله عزّ وجلّ: يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ هو منصوب بقوله تعالى: لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِما عَمِلْتُمْ يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ وهو يوم القيامة. وسمي بذلك لأن الله تعالى يجمع فيه الجن والإنس، وأهل السماء، وأهل الأرض. قوله: ذلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ تفاعل من الغبن، وهو فوت الحظ. والمراد في تسميته يوم القيامة بيوم التغابن فيه أربعة أقوال: أحدها: أنه ليس من كافر إلا وله منزل وأهل في الجنة، فيرث ذلك المؤمن، فيغبن حينئذ الكافر، ذكر هذا المعنى أبو صالح عن ابن عباس. والثاني: غبن أهل الجنة أهل النار، قاله مجاهد، والقرظي. والثالث: أنه يوم غبن المظلوم الظالم، لأن المظلوم كان في الدنيا مغبوناً، فصار في الآخرة غابناً، ذكره الماوردي. والرابع: أنه يوم يظهر فيه غبن الكافر بتركه للإيمان، وغبن المؤمن بتقصيره في الإحسان، ذكره الثعلبي. قال الزجاج: وإنما ذكر ذلك مثلا للبيع والشراء، كقوله عزّ وجلّ: فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ «١» ، وقوله عزّ وجلّ: هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ «٢» وما بعد هذا ظاهر إلى قوله عزّ وجلّ: يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ قرأ نافع، وابن عامر، والمفضل عن عاصم «نكفر» «وندخله» بالنون فيهما. والباقون: بالياء ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ قال ابن عباس: بعلمه وقضائه.

قوله: وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ فيه ستة أقوال: أحدها: يهد قلبه لليقين، فيعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس. وقال علقمة: هو الرجل تصيبه المصيبة، فيعلم أنها من قبل الله تعالى، فيسلم، ويرضى. والثاني: يهد قلبه للاسترجاع، وهو أن يقول: إنا لله، وإنا إليه راجعون، قاله مقاتل. والثالث: أنه إذا ابتلي صبر، وإذا أنعم عليه شكر، وإذا ظلم غفر، قاله ابن السائب، وابن قتيبة. والرابع: يهد قلبه، أي: يجعله مهتدياً، قاله الزجاج.

والخامس: يهد وليَّه بالصبر والرضى، قاله أبو بكر الورَّاق. والسادس: يهد قلبه لاتباع السنة إِذا صح إيمانه، قاله أبو عثمان الحيري. وقرأ أبو بكر الصديق، وعاصم الجحدري، وأبو نهيك: «يَهْدَ» بياءٍ مفتوحة. ونصب الدال «قَلْبُهُ» بالرفع. قال الزجاج: هذا من هدأ يهدأ: إذا سكن. فالمعنى: إذا سلَّم لأمر الله سَكَنَ قلبُه. وقرأ عثمان بن عفان، والضحاك، وطلحة بن مصرف، والأزرق عن حمزة: «نَهْد» بالنون. وقرأ علي بن أبي طالب، عليه السلام وأبو عبد الرّحمن: «يهد قلبه» بضم الياء، وفتح الدال «قَلْبُهُ» بالرفع. وما بعد هذا ظاهر إلى قوله عزّ وجلّ: إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ.

(١٤٥٥) سبب نزولها أن الرجل كان يسلم. فإِذا أراد الهجرة منعه أهله، وولده، وقالوا: نَنْشُدُك الله أن تذهب وتَدَعَ أهلك وعشيرتك وتصير إِلى المدينة بلا أهل ولا مال. فمنهم من يَرِقُّ لهم، ويقيم فلا يهاجر، فنزلت هذه الآية. فلما هاجر أولئك، ورأوا الناس فقد فقهوا في الدّين همّوا أن يعاقبوا أهليهم الذين منعوهم، فأنزل الله تعالى: وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا إلى آخر الآية، هذا قول ابن عباس.

وقال الزجاج: لما أرادوا الهجرة قال لهم أزواجهم، وأولادهم: قد صبرنا لكم على مفارقة الدّين ولا


حسن. أخرجه الترمذي ٣٣١٧ والحاكم ٢/ ٤٩٠ والطبري ٣٤١٩٨ من حديث ابن عباس، صححه الحاكم ووافقه الذهبي، وقال الترمذي: حسن صحيح. مع أنه من رواية سماك عن عكرمة وفيه ضعف، وورد من وجه آخر، أخرجه الطبري ٣٤٢٠٠، وفيه عطية العوفي واه. وانظر تفسير القرطبي ٦٠٠١ بتخريجنا. وانظر أيضا «أحكام القرآن» ٢١٣١ فقد استوفيت فيه الكلام عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>