للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قاله السدي. والسادس: أنه الحنَق والغضب على المساكين، قاله الشعبي، وسفيان، وأنشد أبو عبيدة:

أُسُودُ شَرَىً لاَقَتْ أُسُودَ خَفِيَّةٍ ... تَسَاقَوْا على حَرْدٍ دِمَاءَ الأَسَاوِدِ «١»

والسابع: أنه المنع، مأخوذ من حارَدَتِ السَّنَة فليس فيها مطر، وحاردت الناقة فليس لها لبن، قاله أبو عبيدة، وابن قتيبة. والثامن: أنه القصد. يقال: حَرَدْتُ حَرْدَكَ، أي: قَصَدْتُ قَصْدَكَ، حكاه الفراء، وأبو عبيدة، وابن قتيبة. وأنشدوا:

قَدْ جَاءَ سَيْلٌ كَانَ مِنْ أَمْرِ اللهْ ... يَحْرُدُ حَرْدَ الجَنَّةِ المُغِلَّةْ

أي: يقصد قصدها. قال ابن قتيبة: وفيها لغتان: حَرَدٌ، وحَرْدٌ، كما يقال: الدَّرَك، والدّرك.

وقوله: قادِرِينَ فيه ثلاثة أقوال: أحدها: قادرين على جَنَّتهم عند أنفسهم، قاله قتادة. والثاني:

قادرين على المساكين، قاله الشعبي. والثالث: أن المعنى: منعوا وهم قادرون، أي: واجدون، قاله ابن قتيبة، قوله: فَلَمَّا رَأَوْها محترقة قالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ أي: قد ضللنا طريق جَنَّتنا، فليست هذه. ثم علموا أنها عقوبة، فقالوا: بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ أي: حرمنا ثمر جنّتنا بمنعنا المساكين قالَ أَوْسَطُهُمْ أي أعدلهم، وأفضلهم لَوْلا أي: هلاَّ تُسَبِّحُونَ وفيه ثلاثة أقوال: أحدها: هلا تَسْتَثْنُون عند قولكم:

لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ قاله ابن جريج والجمهور. والمعنى: هلاَّ قلتم: إن شاء الله. قال الزجاج: وإنما قيل للاستثناء: تسبيح، لأنّ التسبيح في اللغة: تنزيه الله عزّ وجلّ عن السوء. والاستثناء تعظيم لله، وإقرار بأنه لا يقدر أحد أن يفعل فعلاً إلا بمشيئة الله. والثاني: أنه كان استثناؤهم قول: «سبحان الله» قاله أبو صالح. والثالث: هلا تسبِّحون الله وتشكرونه على ما أعطاكم، حكاه الثعلبي. وقوله تعالى: قالُوا سُبْحانَ رَبِّنا فنزَّهوه أن يكون ظالماً فيما صنع، وأقرُّوا على أنفسهم بالظلم فقالوا: إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ بمنعنا المساكين فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ أي: يلوم بعضهم بعضاً في منع المساكين حقوقهم. يقول هذا لهذا: أَنْتَ أَشَرْتَ علينا. ويقول الآخر: أنت فَعَلْتَ، ثم نادَوْا على أنفسهم بالويل، فقالوا: يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا طاغِينَ حين لم نصنع ما صنع آباؤنا، ثم رجعوا إِلى الله تعالى فسألوه أن يبدِّلهم خيراً منها، فذلك قوله: عَسى رَبُّنا أَنْ يُبْدِلَنا خَيْراً مِنْها. وقرأ قوم: «يبدِلنا» بالتخفيف، وهما لغتان. وفرَّق قوم بينهما، فقالوا: التبديل: تغيير حال الشيء وصفته والعين باقية. والإبدال: إزالة الشيء ووضع غيره مكانه.

ونقل أن القوم أخلصوا، فبدَّلهم الله جنَّةً العنقودُ منها وقر بغل «٢» .

قوله عزّ وجلّ: كَذلِكَ الْعَذابُ ما فعلنا بهم نفعل بمن تعدّى حدودنا. وهاهنا قصة أهل الجنّة. ثم قال عزّ وجلّ: وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ يعني: المشركين. ثم ذكر ما للمتقين عنده بما بعد هذا، فقال المشركون: إنا لنُعْطى في الآخرة أفضل ممّا يعطون، فقال تعالى مكذِّباً لهم: أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ قال الزجاج: هذه ألف الاستفهام مجازها هاهنا مجاز التوبيخ والتقرير.

قوله عزّ وجلّ: كَيْفَ تَحْكُمُونَ أي: كيف تقضون بالجَوْرِ، أَمْ لَكُمْ كِتابٌ أُنْزِلَ من عند الله فِيهِ هذا تَدْرُسُونَ أي: تقرؤون ما فيه إِنَّ لَكُمْ في ذلك الكتاب لَما تَخَيَّرُونَ أي: ما تختارون وتشتهون. وقرأ أبو الجوزاء، وعاصم الجحدري، وأبو عمران: «أن لكم» بفتح الهمزة. وهذا تقريع


(١) البيت للأشهب بن رميلة الذي كان يهاجي الفرزدق، كما في «الكامل» للمبرد ٤٣٨ و «الخزانة» ٢/ ٥٠٨. [.....]
(٢) وقر بغل: حمل بغل.

<<  <  ج: ص:  >  >>