(٢) قال الإمام الطبري رحمه الله في «تفسيره» ٤/ ٣٦٠: وأولى الأقوال بالصواب والصحة، قول من قال: تأويل ذلك: وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن بعيسى قبل موته. وقال ابن كثير رحمه الله في «تفسيره» ١/ ٥٩٠: لا شك أن هذا الذي قاله ابن جرير هو الصحيح لأنه المقصود من سياق الآي في تقرير بطلان ما ادعته اليهود من قتل عيسى وصلبه وتسليم من سلم لهم من النصارى الجهلة ذلك، فأخبر الله أنه لم يكن الأمر كذلك وإنما شبه لهم فقتلوا الشبه وهم لا يتبينون ذلك، ثم إنه رفعه إليه وإنه باق حي وإنه سينزل قبل يوم القيامة كما دلت عليه الأحاديث المتواترة، فيقتل مسيح الضلالة ويكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية، يعني لا يقبلها من أحد من أهل الأديان بل لا يقبل إلا الإسلام أو السيف، فأخبرت هذه الآية الكريمة أنه يؤمن به جميع أهل الكتاب حينئذ ولا يتخلف عن التصديق به واحد منهم ولهذا قال: وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ أي موت عيسى عليه السلام الذي زعم اليهود ومن وافقهم من النصارى أنه قتل وصلب وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً أي بأعمالهم التي شاهدها قبل رفعه إلى السماء وبعد نزوله إلى الأرض. فأما من فسر هذه الآية بأن المعنى أن كل كتابي لا يموت حتى يؤمن بعيسى أو بمحمد عليهما الصلاة والسلام، فهذا هو الواقع، وذلك أن كل واحد عند احتضاره ينجلي له ما كان جاهلا به فيؤمن به ولكن لا يكون ذلك إيمانا نافعا له إذا كان قد شاهد الملك كما قال الله تعالى في أول هذه السورة: وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ الآية وقال تعالى: فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ الآيتين، وهذا يدل على ضعف ما احتج به ابن جرير في ردّ هذا القول حيث قال: ولو كان المراد بهذه الآية هذا لكان كل من آمن بمحمد صلّى الله عليه وسلّم أو بالمسيح ممن كفر بهما يكون على دينهما حينئذ لا يرثه أقرباؤه من أهل دينه لأنه قد أخبر الصادق أنه يؤمن به قبل موته، فهذا ليس بجيد إذ لا يلزم من إيمانه في حالة لا ينفعه إيمانه أنه يصير بذلك مسلما ألا ترى قول ابن عباس: ولو تردّى من شاهق أو ضرب سيف أو افترسه سبع فإنه لا بد أن يؤمن بعيسى فالإيمان به في هذه الحال ليس بنافع ولا ينقل صاحبه عن كفره لما قدمناه والله أعلم. ومن تأمل هذا جيدا وأمعن النظر اتضح له أنه هو الواقع لكن لا يلزم منه أن يكون المراد بهذه الآية هذا بل المراد بها ما ذكرناه من تقرير وجود عيسى عليه السلام وبقاء حياته في السماء وأنه سينزل إلى الأرض قبل يوم القيامة ليكذّب هؤلاء وهؤلاء من اليهود والنصارى الذين تباينت أقوالهم فيه وتصادمت وتعاكست وتناقضت وخلت عن الحق. (٣) في «اللسان» : هوى، يهوي هويّا: إذا سقط من فوق إلى أسفل.