للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

و «الراجفة» صيحة عظيمة فيها تردُّدٌ واضطراب كالرعد إذا تمحض. و «ترجف» بمعنى: تتحرَّك حركة شديدةً تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ وهي: النفخة الثانية ردفت الأولى، أي: جاءت بعدها وكل شيء جاء بعد شيءٍ فهو يردفه قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ واجِفَةٌ أي: شديدة الاضطراب لما عاينت من أهوال يوم القيامة أيضا أَبْصارُها خاشِعَةٌ أي: ذليلةٌ لمعاينة النار. قال عطاء: وهذه أبصار من لم يمت على الإسلام. ويدل على هذا أنه ذَكَرَ منكري البعث، فقال عزّ وجلّ: يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ قرأ ابن عامر وأهل الكوفة «أإنا» بهمزتين مخففتين على الاستفهام، وقرأ الباقون بتخفيف الأولى وتليين الثانية، وفصل بينهما بألف وأبو عمرو. فِي الْحافِرَةِ وفي معنى الكلام ثلاثة أقوال: أحدها: إن الحافرة: الحياة بعد الموت. والمعنى:

أنرجع أحياءً بعد موتنا؟! وهذا قول ابن عباس، وعطية، والسدي. قال الفراء: يعنون: أَنُرَدُّ إلى أمرنا الأول إلى الحياة؟! والعرب تقول: أتيت فلاناً، ثم رجعت على حافرتي، أي: رجعت من حيث جئت.

قال أبو عبيدة: يقال: رجع فلان في حافرته، وعلى حافرته: إذا رجع من حيث جاء، وهذا قول الزجاج. والثاني: أنها الأرض التي تحفر فيها قبورهم، فَسُمِّيت حافرةً، والمعنى: محفورة، كما يقال:

ماءٍ دافِقٍ «١» وعِيشَةٍ راضِيَةٍ «٢» وهذا قول مجاهد والخليل. فيكون المعنى: أإنّا لمردودون إلى الأرض خلقاً جديداً؟! قال ابن قتيبة: «في الحافرة» أي: إلى أول أمرنا. ومن فسّرها بالأرض، فإلى هذا يذهب، لأنّا منها بدأنا. قال الشاعر:

أحافرة على صلع وشيب ... معاذ الله من سفه وعار

كأنه قال: أأرجع إلى ما كنت عليه في شبابي من الغزل والصّبا «بعد ما شبت وصلعت» .

والثالث: أنّ الحافرة: النار، قاله ابن زيد.

قوله عزّ وجلّ: أَإِذا كُنَّا عِظاماً نَخِرَةً وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم «ناخرة» قال الفرّاء: وهما بمعنى واحد في اللغة. مثل طمع، وطامع وحذر، وحاذر. وقال الأخفش: هما لغتان.

وقال الزّجّاج: يقال: نخر العظم ينخر، فهو نخر. مثل عفن الشيء يعفن، فهو عفن. وناخرة على معنى: عظاما فارغة، يجيء فيها من هبوب الرياح كالنّخير. قال المفسّرون: والمراد أنهم أنكروا البعث، وقالوا: نردّ أحياء إذا متنا وبليت عظامنا؟! تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ أي: إن رددنا بعد الموت لنخسرنّ بما يصيبنا ممّا يعدنا به محمّد، فأعلمهم الله بسهولة البعث عليه، فقال عزّ وجلّ: فَإِنَّما هِيَ يعني النّفخة الأخيرة زَجْرَةٌ واحِدَةٌ أي: صيحة في الصّور يسمعونها من إسرافيل وهم في بطون الأرض فيخرجون فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ وفيها أربعة أقوال «٣» : أحدها: أنّ السّاهرة: وجه الأرض، قاله ابن عباس:

ومجاهد، وعكرمة والضّحّاك، واللغويون. قال الفرّاء: كأنها سمّيت بهذا الاسم، لأنّ فيها نوم الحيوان وسهرهم. والثاني: أنه جبل عند بيت المقدس، قاله وهب بن منبّه. والثالث: أنها جهنّم، قاله قتادة.

والرابع: أنها أرض الشام، قاله سفيان.


(١) الطارق: ٦.
(٢) الحاقة: ٢١.
(٣) قال ابن كثير رحمه الله في «تفسيره» ٤/ ٥٥٢: وهذه الأقوال كلها غريبة، والصحيح أنها الأرض وجهها الأعلى.

<<  <  ج: ص:  >  >>