للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واختار قوم الوقف على قوله: «قليلاً» على معنى: كانوا من الناس قليلاً، ثم ابتدأ فقال: «من الليل ما يهجعون» على معنى نفي النوم عنهم البتَّة، وهذا مذهب الضحاك، ومقاتل. والقول الثاني: أن «ما» بمعنى الذي، فالمعنى: كانوا قليلاً من الليل الذي يهجعونه، وهذا مذهب الحسن، والأحنف بن قيس، والزهري. وعلى هذا يحتمل أن تكون «ما» زائدة.

قوله تعالى: وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ وقد شرحناه في آل عمران «١» .

قوله تعالى: وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ أي: نصيب، وفيه قولان: أحدهما: أنه ما يَصِلون به رَحِمًا، أو يَقْرون به ضيفاً، أو يحملون به كلاًّ، أو يُعينون به محروماً، وليس بالزَّكاة، قاله ابن عباس. والثاني: أنه الزكاة، قاله قتادة، وابن سيرين. قوله تعالى: لِلسَّائِلِ وهو الطالب. وفي «المحروم» ثمانية أقوال:

أحدها: أنه الذي ليس له سهم في فيء المسلمين، وهو المُحارَف «٢» ، قاله ابن عباس. وقال إبراهيم:

هو الذي لا سهم له في الغنيمة. والثاني: أنه الذي لا ينمى له شيء، قاله مجاهد، وكذلك قال عطاء:

هو المحروم في الرِّزق والتجارة. والثالث: أنه المسلم الفقير، قاله محمد بن علي. والرابع: أنه المتعفِّف الذي لا يَسأل شيئاً، قاله قتادة، والزهري. والخامس: أنه الذي يجيء بعد الغنيمة، وليس له فيها سهم، قاله الحسن بن محمّد ابن الحنفية. والسادس: أنه المصاب ثمرته وزرعه أو نسل ماشيته، قاله ابن زيد. والسابع: أنه المملوك، حكاه الماوردي. والثامن: أنه الكَلْب، روي عن عمر بن عبد العزيز، وكان الشعبي يقول: أعياني أن أعلَم ما المحروم. وأظهر الأقوال قول قتادة والزهري، لأنه قرنه بالسائل، والمتعفِّف لا يَسأل- ولا يكاد الناس يعطون من لا يسأل- ثم يتحفظ بالتعفُّف من ظُهور أثر الفاقة عليه، فيكون محروما من قِبَل نفسه حين لم يَسأل، ومن قِبَل الناس حين لا يُعطونه، وإنما يفطن له متيقِّظ. وقد ذكر المفسرون أن هذه الآية منسوخة بآية الزكاة، ولا يصح.

قوله تعالى: وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ كالجبال والأنهار والأشجار والثمار وغير ذلك لِلْمُوقِنِينَ بالله عزّ وجلّ الذين يعرفونه بصنعه. وَفِي أَنْفُسِكُمْ آياتٌ إذ كنتم نُطَفاً ثم عظاماً، ثم عَلَقاً، ثم مُضَغاً إلى غير ذلك من أحوال الاختلاف ثم اختلاف الصُّوَر والألوان والطبائع، وتقويم الأدوات، والسمع والبصر والعقل، وتسهيل سبيل الحدث، إلى غير ذلك من العجائب المودَعة في ابن آدم. وتمَّ الكلام عند قوله:

وَفِي أَنْفُسِكُمْ، ثم قال: أَفَلا تُبْصِرُونَ قال مقاتل: أفلا تبصرون كيف خَلَقكم فتعرِفوا قُدرته على البعث.

قوله تعالى: وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وقرأ أُبيُّ بن كعب، وحميد، وأبو حصين الأسدي: «أرْزاقُكم» براءٍ ساكنة، وبألف بين الزاي والقاف. وقرأ ابن مسعود، والضحاك، وأبو نهيك: «رازِقُكم» بفتح الراء وكسر الزّاي وبألف بينهما. وعن ابن محيصن كهاتين القراءتين. وفيه قولان: أحدهما: أنه المطر، رواه أبو صالح عن ابن عباس، وليث عن مجاهد، وهو قول الجمهور. والثاني: الجنّة، رواه ابن نجيح عن مجاهد. وفي قوله: وَما تُوعَدُونَ قولان: أحدهما: أنه الخير والشر كلاهما يأتي من السماء، قاله أبو صالح عن ابن عباس، وابن أبي نجيح عن مجاهد. والثاني: الجنة، رواه ليث عن مجاهد. قال أبو


(١) آل عمران: ١٧.
(٢) في «القاموس» المحارف: المحدود والمحروم.

<<  <  ج: ص:  >  >>