للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم في معنى «الحبك» أربعة أقوال: أحدها: ذات الخَلْق الحَسَن، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس، وبه قال قتادة. والثاني: البُنيان المُتْقَن، قاله مجاهد. والثالث: ذات الزِّينة، قاله سعيد بن جبير. وقال الحسن: حُبُكها: نُجومها. والرابع: ذات الطرائق، قاله الضحاك واللغويون. وقال الفراء: الحُبُك:

تَكَسُّر كلِّ شيء كالرَّمْل إذا مَرَّت به الرِّيح السّاكنة، والماء القائم إذا مَرّت به الرِّيح، والشَّعرةُ الجَعْدَة تكسُّرُها حُبُك، وواحد الحُبُك: حِباك وحَبِيكة. وقال الزجاج: أهل اللغة يقولون: الحُبُك: الطرَّائق الحَسَنة، والمَحْبُوك في اللغة: ما أُجيد عملُه، وكل ما تراه من الطَّرائق في الماء وفي الرَّمْل إذا أصابته الرِّيح فهو حُبُك. وروي عن عبد الله بن عمرو أنه قال: هذه هي السماء السابعة.

ثم ذكر جواب القَسَم الثاني، قال: إِنَّكُمْ يعني أهل مكة لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ في أمر محمّد صلّى الله عليه وسلم، بعضُكم يقول: شاعر، وبعضكم يقول: مجنون. وفي القرآن، بعضكم يقول: سِحْر، وبعضكم يقول:

كَهانة ورَجَز، إلى غير ذلك. يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ أي: يُصْرَف عن الإيمان به مَن صُرِف فحُرِمَه. والهاء في «عنه» عائدة إلى القرآن، وقيل: يُصْرَف عن هذا القول، أي: من أجْله وسببه، عن الإيمان من صُرِف. وقرأ قتادة: «مَنْ أَفَكَ» بفتح الألف والفاء. وقرأ عمرو بن دينار: «مَنْ أَفِكَ» بفتح الألف وكسر الفاء. قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ قال الفراء: يعني: لُعن الكذّابون الذين قالوا: إن النبي صلّى الله عليه وسلم ساحر وكذَّاب وشاعر، خَرَصوا ما لا علم لهم به. وفي رواية العوفي عن ابن عباس: أنهم الكهنة. وقال ابن الأنباري:

والقتل إذا أُخبر عن الله به فهو بمعنى اللعنة، لأن من لعنه الله فهو بمنزلة المقتول الهالك.

قوله تعالى: الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ أي في عمىً وجهالة بأمر الآخرة ساهُونَ أي غافلون.

والسَّهو: الغَفلة عن الشيء وذهاب القلب عنه. يَسْئَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ أي يقولون: يا محمد متى يوم الجزاء؟! تكذيبا منهم واستهزاء. ثم أخبر عن ذلك اليوم، فقال: يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ قال الزجاج: «اليومَ» منصوب على معنى: يقع الجزاء يومَ هُم على النّار يُفْتَنُونَ أي يُحرَقون ويعذَّبون، ومن ذلك يقال للحجارة السُّود التي كأنها قد أُحرقت بالنار: الفَتِين. قوله تعالى: ذُوقُوا المعنى: يقال لهم: ذوقوا فِتْنَتَكُمْ وفيها قولان: أحدهما: تكذيبكم، قاله ابن عباس. والثاني: حريقكم، قاله مجاهد. قال أبو عبيدة: هاهنا تم الكلام، ثم ائتنف، فقال: هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ قال المفسرون: يعني الذي كنتم تستعجلونه في الدنيا استهزاء.

ثم ذكر ما وعَد اللهُ لأهل الجنة فقال: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وقد سبق شرح هذا «١» .

قوله تعالى: آخِذِينَ قال الزجاج: هو منصوب على الحال، فالمعنى: في جنّات وعيون في حال أخذ ما آتاهُمْ رَبُّهُمْ قال المفسرون: أي ما أعطاهم اللهُ من الكرامة إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُحْسِنِينَ في أعمالهم.

وفي الآية وجه آخر: «آخذين ما آتاهم ربُّهم» أي: عاملين بما أمرهم به من الفرائض «إنهم كانوا قبلَ» أن تفرض الفرائض عليهم، «محسِنين» أي: مطيعين، وهذا معنى قول ابن عباس في رواية مسلم البطين.

ثم ذكر إحسانهم فقال: كانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ والهُجوع: النَّوم بالليل دون النهار. وفي «ما» قولان: أحدهما: النفي. ثم في المعنى قولان: أحدهما: كانوا يسهرون قليلاً من الليل. قال أنس بن مالك، وأبو العالية: هو ما بين المغرب والعشاء. والثاني: كانوا ما ينامون قليلا من اللّيل.


(١) البقرة: ٢٥، الحجر: ٤٥. [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>