للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدها: أنه يوسف «١» ، وهو من أغمض ما يأتي من الكلام أن تحكي عن شخص شيئاً ثم تصله بالحكاية عن آخر، ونظير هذا قوله: يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ هذا قول الملأ فَماذا تَأْمُرُونَ «٢» قول فرعون. ومثله: وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً هذا قول بلقيس وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ «٣» قول الله عزّ وجلّ. ومثله: مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا هذا قول الكفار، فقالت الملائكة: هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ «٤» وإِنما يجوز مثل هذا في الكلام، لظهور الدلالة على المعنى. واختلفوا، أين قال يوسف هذا؟ على قولين:

أحدهما: أنه لما رجع الساقي إِلى يوسف فأخبره وهو في السجن بجواب امرأة العزيز والنسوة للملك، قال حينئذ: «ذلك ليعلم» ، رواه أبو صالح عن ابن عباس، وبه قال ابن جريج.

والثاني: أنه قاله بعد حضوره مجلس الملك، رواه عطاء عن ابن عباس.

قوله تعالى: ذلِكَ لِيَعْلَمَ أي: ذلك الذي فعلت من ردِّي رسول الملك، ليعلم.

واختلفوا في المشار إِليه بقوله: «ليعلم» وقوله: «لم أخنه» على أربعة أقوال:

أحدها: أنه العزيز، والمعنى: ليعلم العزيز أني لم أخنه في امرأته بِالْغَيْبِ أي: إِذا غاب عني، رواه أبو صالح عن ابن عباس، وبه قال الحسن، ومجاهد، وقتادة، والجمهور.

والثاني: أن المشار إِليه بقوله: «ليعلم» الملك، والمشار إِليه بقوله: «لم أخنه» العزيز، والمعنى:

ليعلم الملك أني لم أخن العزيز في أهله بالغيب، رواه الضحاك عن ابن عباس.

والثالث: أن المشار إِليه بالشيئين، الملك، فالمعنى: ليعلم الملك أني لم أخنه، يعني الملك أيضاً، بالغيب. وفي وجه خيانة الملك في ذلك قولان: أحدهما: لكون العزيز وزيره، فالمعنى: لم أخنه في امرأة وزيره، قاله ابن الأنباري. والثاني: لم أخنه في بنت أخنه، وكانت أزليخا بنت أخت الملك، قاله أبو سليمان الدمشقي.

والرابع: أن المشار إِليه بقوله: «ليعلم» الله عزّ وجلّ، فالمعنى: ليعلم الله أني لم أخنه، روي عن مجاهد، قال ابن الأنباري: نسبَ العلم إِلى الله في الظاهر، وهو في المعنى للمخلوقين، كقوله:

حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ «٥» .

فإن قيل: إِن كان يوسف قال هذا في مجلس الملك، فكيف قال: «ليعلم» ولم يقل: لتعلم، وهو يخاطبه؟ فالجواب: أنا إِن قلنا: إِنه كان حاضراً عند الملك، فانما آثر الخطاب بالياء توقيراً للملك، كما يقول الرجل للوزير: إِن رأى الوزير أن يوقّع في قصتي. وإِن قلنا: إِنه كان غائباً، فلا وجه لدخول التاء، وكذلك إِن قلنا: إِنه عنى العزيز، والعزيز غائب عن مجلس الملك حينئذ.

والقول الثاني: أنه قول امرأة العزيز، فعلى هذا يتصل بما قبله، والمعنى: ليعلم يوسف أني لم


(١) هذا القول ورد عن جماعة من المفسرين، وهو غريب، وكأنهم تتابعوا على ذلك حيث أخذه بعضهم عن بعض، وليس بصواب وانظر ما يأتي. [.....]
(٢) سورة الأعراف: ١١٠.
(٣) سورة النمل: ٣٤.
(٤) سورة يس: ٥٢.
(٥) سورة محمد: ٣١.

<<  <  ج: ص:  >  >>