للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرحمة، فقال لهم هذا، قاله ابن إِسحاق. والثالث: أن يعقوب كتب إِليه كتاباً: إِن رددتَ ولدي، وإِلا دعوتُ عليك دعوةً تدرك السابعَ من ولدك، فبكى، وقال لهم هذا. وفي «هل» قولان: أحدهما: أنها استفهام لتعظيم القصة لا يراد به نفس الاستفهام. قال ابن الأنباري: والمعنى: ما أعظم ما ارتكبتم، وما أسمج ما آثرتم من قطيعة الرحم وتضييع الحق، وهذا مثل قول العربي: أتدري من عصيت؟ هل تعرف من عاديت؟ لا يريد بذلك الاستفهام، ولكن يريد تفظيع الأمر، قال الشاعر:

أترجو بنو مروان سمعي وطاعتي «١»

لم يرد الاستفهام، إِنما أراد أن هذا غير مرجوٍّ عندهم. قال: ويجوز أن يكون المعنى: هل علمتم عقبى ما فعلتم بيوسف وأخيه من تسليم الله لهما من المكروه؟ وهذه الآية تصديق قوله: لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ. والثاني: أن «هل» بمعنى «قد» ، ذكره بعض أهل التفسير.

فان قيل: فالذي فعلوا بيوسف معلوم، فما الذي فعلوا بأخيه، وما سعَوا في حبسه ولا أرادوه؟

فالجواب من وجوه: أحدها: أنهم فرَّقوا بينه وبين يوسف، فنغَّصوا عيشه بذلك. والثاني: أنهم آذوْهُ بعد فُقْدِ يوسف. والثالث: أنهم سبّوه لما قُذف بسرقة الصاع.

وفي قوله: إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ أربعة أقوال: أحدها: إِذ أنتم صبيان، قاله ابن عباس. والثاني:

مذنبون، قاله مقاتل. والثالث: جاهلون بعقوق الأب، وقطع الرحم، وموافقة الهوى. والرابع: جاهلون بما يؤول إِليه أمر يوسف، ذكرهما ابن الأنباري.

قوله تعالى: أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قرأ ابن كثير، وأبو جعفر، وابن محيصن: «إِنك» على الخبر، وقرأه آخرون بهمزتين محققتين، وأدخل بعضهم بينهما ألفاً «٢» .

واختلف المفسرون، هل عرفوه، أم شبّهوه؟ على قولين: أحدهما: أنهم شبّهوه بيوسف، قاله ابن عباس في رواية. والثاني: أنهم عرفوه، قاله ابن إِسحاق. وفي سبب معرفتهم له ثلاثة أقوال: أحدها:

أنه تبسم، فشبَّهوا ثناياه بثنايا يوسف، قاله الضحاك عن ابن عباس. والثاني: أنه كانت له علامة كالشامة في قرنه، وكان ليعقوب مثلها، ولإسحاق مثلها، ولسارة، فلما وضع التاج عن رأسه، عرفوه، رواه عطاء عن ابن عباس. والثالث: أنه كشف الحجاب، فعرفوه، قاله ابن إِسحاق.

قوله تعالى: قالَ أَنَا يُوسُفُ قال ابن الأنباري: إِنما أظهر الاسم، ولم يقل: أنا هو، تعظيماً لما وقع به من ظلم إِخوته، فكأنه قال: أنا المظلوم المستحَلُّ منه، المراد قتلُه، فكفى ظهور الاسم من هذه المعاني، ولهذا قال: وَهذا أَخِي وهم يعرفونه، وإِنما قصد: وهذا المظلوم كظلمي. قوله تعالى:


(١) هذا صدر بيت وعجزه (وقومي تميم والفلاة ورائيا) ، وسيأتي بتمامه ص ٥٠٧.
(٢) قال ابن كثير رحمه الله ٢/ ٦٠٢: القراءة المشهورة هي الأولى، لأن الاستفهام يدل على الاستعظام، أي: إنهم تعجبوا من ذلك أنهم يترددون إليه من سنتين وأكثر، وهم لا يعرفون، وهو مع هذا يعرفهم ويكتم نفسه، فلهذا قالوا على سبيل الاستفهام: أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ.
وقال الطبري رحمه الله ٧/ ٢٩١: الصواب من القراءة في ذلك عندنا، قراءة من قرأه بالاستفهام، لإجماع الحجة من القراء عليه، فوافق بذلك ابن كثير.

<<  <  ج: ص:  >  >>