حركها. قال الضحاك: رجع إِليه بصره بعد العمى، وقوّته بعد الضعف، وشبابه بعد الهرم، وسروره بعد الحزن. وروى يحيى بن يمان عن سفيان قال: لما جاء البشيرُ يعقوبَ، قال: على أيِّ دين تركت يوسف؟ قال: على الإِسلام، قال: الآن تمت النعمة.
قوله تعالى: أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ فيه أقوال قد سبق ذكرها قبل هذا بقليل. قوله تعالى: يا أَبانَا اسْتَغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا سألوه أن يستغفر لهم ما أتوا، لأنه نبيّ مجاب الدعوة.
قالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي في سبب تأخيره لذلك ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه أخَّرهم لانتظار الوقت الذي هو مَظِنَّة الإِجابة، ثم فيه ثلاثة أقوال:
(٨٢١) أحدها: أنه أخَّرهم إِلى ليلة الجمعة، رواه ابن عباس عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم. قال وهب: كان يستغفر لهم كل ليلة جمعة في نيِّف وعشرين سنة «١» . والثاني: إِلى وقت السّحَر من ليلة الجمعة، رواه أبو صالح عن ابن عباس. قال طاوس: فوافق ذلك ليلة عاشوراء. والثالث: إِلى وقت السَّحَر، رواه عكرمة عن ابن عباس، وبه قال ابن مسعود، وابن عمر، وقتادة، والسدي، ومقاتل. قال الزجاج: إِنما أراد الوقت الذي هو أخلق لإِجابة الدعاء، لا أنه ضَنَّ عليهم بالاستغفار، وهذا أشبه بأخلاق الأنبياء عليهم السلام.
والقول الثاني: أنه دفعهم عن التعجيل بالوعد. قال عطاء الخراساني: طلبُ الحوائج إِلى الشباب أسهل منها عند الشيوخ، ألا ترى إِلى قول يوسف:(لا تثريب عليكم اليوم) وإِلى قول يعقوب: (سوف أستغفر لكم ربي) .
والثالث: أنه أخَّرهم ليسأل يوسف، فان عفا عنهم، استغفر لهم، قاله الشعبي.
وروي عن أنس بن مالك أنهم قالوا: يا أبانا إِنْ عفا الله عنا، وإِلا فلا قُرَّة عين لنا في الدنيا، فدعا يعقوبُ وأمَّن يوسف، فلم يُجب فيهم عشرين سنة، ثم جاء جبريل فقال: إِن الله قد أجاب دعوتك في ولدك، وعفا عما صنعوا به، واعتقد مواثيقهم من بَعْدُ على النبوَّة. قال المفسرون: وكان يوسف قد بعث مع البشير إِلى يعقوب جَهازاً ومائتي راحلة، وسأله أن يأتيه بأهله وولده. فلما ارتحل يعقوب ودنا
ضعيف جدا، والأشبه أنه موضوع. أخرجه الطبري ١٩٨٨٠ و ١٩٨٨١ من طريقين عن سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي قال: حدثنا الوليد، قال: أخبرنا ابن جريج عن عطاء وعكرمة عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم، قد قال أخي يعقوب سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي يقول: حتى تأتي ليلة الجمعة» . وهذا إسناد ضعيف جدا، وله علتان: الأولى: ضعف سليمان بن عبد الرحمن، فهو وإن وثقه بعضهم، وقال أبو حاتم الرازي: صدوق، فقد عقب ذلك أبو حاتم بقوله: إلا أنه من أروى الناس عن الضعفاء والمجهولين، وهو عندي في حدّ لو أن رجلا وضع له حديثا لم يفهم، وكان لا يميّز. راجع «الميزان» ٢/ ٢١٢- ٢١٤. العلة الثانية: عنعنة ابن جريج، وهو مدلس، وهو لم يسمع من عكرمة. قال الإمام أحمد: بعض هذه الأحاديث التي كان يرسلها ابن جريج أحاديث موضوعة، كان ابن جريج، لا يبالي من أين يأخذها. راجع «الميزان» ٢/ ٦٥٩. فالحديث ضعيف جدا، والأشبه أنه موضوع. وقال الحافظ ابن كثير ٢/ ٤٠٦: هذا حديث غريب، وفي رفعه نظر، والله أعلم.