(٢) استدل الباطنية القرامطة ومنهم الشاذلية اليشرطية بهذه الآية على سقوط التكليف عنهم، وفسروا اليقين هنا بالعلم والمعرفة، فقالوا: من حصلت له المعرفة بالله سقطت عنه التكاليف. قال الحافظ ابن كثير في رده عليهم في «تفسيره» ٢/ ٦٩٢: ويستدل من هذه الآية الكريمة، وهي قوله: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ، على أن العبادة كالصلاة ونحوها واجبة على الإنسان ما دام عقله ثابتا، فيصلي بحسب حاله، كما ثبت في صحيح البخاري، عن عمران بن حصين- رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «صلّ قائما، فإن لم تستطع فقاعدا، فإن لم تستطع فعلى جنب» . ويستدل بها على تخطئة من ذهب من الملاحدة إلى أن المراد باليقين المعرفة، فمتى وصل أحدهم إلى المعرفة سقط عنه التكليف عندهم. وهذا كفر وضلال وجهل، فإن الأنبياء- عليهم السلام- كانوا هم وأصحابهم أعلم الناس بالله وأعرفهم بحقوقه وصفاته، وما يستحق من التعظيم، وكانوا مع هذا أعبد وأكثر الناس عبادة ومواظبة على فعل الخيرات إلى حين الوفاة، وإنما المراد باليقين هاهنا الموت، كما قدمناه. ولله الحمد والمنة والحمد لله على الهداية، وعليه الاستعانة والتوكل، وهو المسؤول أن يتوفانا على أكمل الأحوال وأحسنها.